الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              والحاصل أن الفرق بين نذري اللجاج والتبرر أن الأول فيه تعليق بمرغوب عنه والثاني بمرغوب فيه ، ومن ثم ضبط بأن يعلق بما يقصد حصوله فنحو إن رأيت فلانا فعلي صوم يحتمل النذرين ويتخصص أحدهما بالقصد ، وكذا قول امرأة لآخر إن تزوجتني فعلي أن أبرئك من مهري وسائر حقوقي فهو تبرر إن أرادت الشكر على تزوجه ( تنبيه ) .

                                                                                                                              علم من هذا الحاصل أن من قال لبائعه : إن جئتني بمثل عوضي فعلي أن أقيلك أو أفسخ البيع لزمه أحدهما إن ندب لندمه ، وكان يحب إحضار مثل عوضه [ ص: 72 ] وإلا كان لجاجا وعلى ذلك يحمل اختلاف جمع متأخرين فيه وقد صرحوا في التعليق بالمباح بأنه يحتمل النذرين ولا شك أن إحضار العوض كذلك ، ثم رأيت بعضهم أشار إليه بقوله إن علقه بطلبها المرغوب له مع الندم فنذر تبرر وإلا فلجاج ا هـ ملخصا لكن فيه نظر يعرف مما قررته وحينئذ فينبغي الاكتفاء بندبها وحده وإن استوى عنده الرغبة في إحضار العوض وعدمه ومحبته لإحضاره وإن لم تندب لما تقرر أن المباح يتصور فيه النذران وفي الروضة عن فتاوى الغزالي في إن خرج المبيع مستحقا فعلي لك كذا أنه لغو ووجه بأن الهبة وإن كانت قربة لكنها على هذا الوجه ليست قربة ولا محرمة فكانت مباحة ويوجه بأنه جعلها في مقابلة الاستحقاق المكروه له دائما وهي في مقابلة العوض غير قربة فلم يمكن اللجاج نظرا لعدم القربة ، ولا التبرر نظرا لكراهة المعلق عليه فاندفع ما قيل أي فرق بين هذا وقوله فعلي أن أصلي ركعتين وبما قررته علم أن هذا لا يشكل على ما ذكرته في مسألة الإقالة لوضوح الفرق بين الاستحقاق الذي هو دائما مكروه له وإحضار العوض المحبوب له تارة والمكروه له أخرى فإذا جعله شرطا لمندوب هو الإقالة للنادم وإن لم يطلبها تعين فيه ما ذكرته من التفصيل .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : والحاصل أن الفرق إلخ ) هذا الفرق لا يشمل ما إذا كان المعلق عليه ليس مرغوبا فيه ولا مرغوبا عنه بأن استوى عنده وجوده وعدمه ، ويحتمل أنه نذر تبرر وأن يكتفى فيه بكون المعلق عليه غير مرغوب عنه سواء كان مرغوبا فيه أو لا وعلى هذا لا يتقيد نذر التبرر في مسألة [ ص: 72 ] الزوجة المذكورة بما إذا قالت ما ذكر على سبيل الشكر بل يكفي أنه أن لا يكون على سبيل المنع ( قوله : يعرف مما قررته ) كأنه يريد أنه لا حاجة للتقييد بالطلب كما يشير إليه ما سيذكره . ( قوله : لعدم القربة ) ولكراهة المعلق عليه . ( قوله : نظرا لكراهة المعلق عليه ) يتأمل مع ما تقدم أن المعلق عليه في اللجاج مرغوب عنه ، فكراهة المعلق عليه لا تنافي اللجاج وكان يكفي في نفي إمكان كون المعلق غير قربة . ( قوله : فاندفع ما قيل أي : فرق إلخ ) أي ما قاله في شرح الروض .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : والحاصل إلخ ) عبارة المغني ( فائدة )

                                                                                                                              الصيغة إن احتملت نذر اللجاج ونذر التبرر رجع فيها إلى قصد الناذر فالمرغوب فيه تبرر والمرغوب عنه لجاج وضبطوا ذلك بأن الفعل إما طاعة أو معصية أو مباح والالتزام في كل منها تارة يتعلق بالإثبات وتارة بالنفي والإثبات في الطاعة كقوله إن صليت فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن وفقني الله تعالى للصلاة فعلي كذا واللجاج بأن يقال له صل فيقول لا أصلي وإن صليت فعلي كذا والنفي في الطاعة كقوله وقد منع من الصلاة إن لم أصل فعلي كذا لا يتصور إلا لجاجا فإنه لا بر في ترك الطاعة والإثبات في المعصية كقوله وقد أمر بشرب الخمر فعلي كذا يتصور لجاجا فقط والنفي في المعصية كقوله إن لم أشرب الخمر فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن عصمني الله تعالى من الشرب فعلي كذا واللجاج بأن يمنع من الشرب فيقول إن لم أشرب فعلي كذا

                                                                                                                              ويتصور التبرر واللجاج في المباح نفيا وإثباتا ، والتبرر في النفي كقوله : إن لم آكل كذا فعلي كذا يريد إن أعانني الله تعالى على كسر شهوتي فعلي كذا وفي الإثبات كقوله إن أكلت كذا فعلي كذا يريد إن يسره الله تعالى فعلي كذا واللجاج في النفي كقوله وقد منع من أكل الخبز : إن لم آكله فعلي كذا وفي الإثبات كقوله وقد أمر بأكله إن أكلته فعلي كذا . ا هـ . ( قوله : أن الفرق إلخ ) هذا الفرق لا يشمل ما إذا كان المعلق عليه ليس مرغوبا فيه ولا مرغوبا عنه بأن استوى عنده وجوده وعدمه ويحتمل أنه نذر تبرر وأن يكتفي فيه بكون المعلق عليه غير مرغوب عنه سواء كان مرغوبا فيه أو لا وعلى هذا يتقيد نذر التبرر في مسألة الزوجة المذكورة بما إذا قالت ما ذكر على سبيل الشكر بل يكفي أن لا يكون على سبيل المنع . ا هـ . سم

                                                                                                                              أقول ما ذكره أولا من صورة الاستواء لك أن تنكر تحققها في مقام النذر وما ذكره ثانيا من الاحتمال وما فرعه عليه مخالف لصريح الحاصل المذكور الذي اتفقوا عليه ( قوله : فيه تعليق ) أي : لالتزام قربة ( قوله ضبط ) أي : الثاني ( قوله ويتخصص ) أي : يتعين . ا هـ . ع ش ( قوله لآخر ) الأنسب لرجل ( قوله : فهو تبرر ) أي : فيجب عليها إبراؤه مما يجب لها في المهر ومما يترتب لها بذمته من الحقوق بعد وإن لم تعرفه كما يأتي في قول الشارح ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به إلخ ( فرع ) وقع السؤال عما لو نذر شخص أنه إن رزقه الله ولدا سماه بكذا والجواب عنه أن الظاهر أنه إن كان ما ذكره من الأسماء المستحبة كمحمد وأحمد وعبد الله انعقد نذره وأنه حيث سماه بما عينه بر وإن لم يشتهر ذلك الاسم بل وإن هجر بعد . ا هـ . ع ش

                                                                                                                              ( قوله : إن ندب لندمه ) هل يعتبر كالمحبة الآتية في وقت الإتيان بالثمن أو في وقت النذر والظاهر الثاني . ا هـ . سيد عمر ( قوله : وكان يجب إحضار مثل عوضه ) إن قرئ كان فعلا ماضيا اقتضى أن اللزوم موقوف على ندم البائع المستلزم لندب الإقالة ومحبة المشتري الإحضار مثل عوضه مع أن قوله الآتي وحينئذ فينبغي إلخ يقتضي خلافه اللهم إلا أن يكون الواو في وكان بمعنى أو وإن قرئ كأن بصورة الكاف الجارة وأن المصدرية زال هذا التنافي لكن لا يحسن عطفه على ندب لأن المعطوف عليها يكون جملة [ ص: 72 ] ولا على لندمه لإيهامه توقف ندب الإقالة على محبة المشتري للإحضار فليتأمل . ا هـ .

                                                                                                                              سيد عمر أقول إن القراءة الأولى متعينة ؛ لأن مقتضاها المذكور هو الذي أفاده تعريف نذر التبرر في المتن وعلم من الحاصل المذكور في الشرح وأن قوله الآتي المنافي لما هنا هو المحتاج إلى التأويل بإرجاع ضمير عنده إلى البائع لا المشتري وضمير لم تندب إلى المحبة لا الإقالة ولو قال فيما يأتي بدل الغاية الأولى وإن لم يطلبها وذكر الفعل في الغاية الثانية بإرجاع ضميره إلى الإحضار لسلم من الإشكال والتأويل ( قوله : وإلا ) أي : بأن انتفت المحبة ( قوله وعلى ذلك ) أي : التفصيل المذكور وكذا الضمير المجرور في قوله الآتي أشار إليه ( قوله : إن علقه ) أي : علق المشتري التزام الإقالة بطلبها أي : طلب البائع الإقالة ولعل المراد بطلبها لازمه وهو إحضاره للثمن بقرينة توصيفه بالمرغوب له أي : للمشتري وبذلك يندفع النظر الآتي ( قوله وإلا ) أي : بأن انتفت الرغبة ( قوله : وفيه نظر يعرف إلخ ) كأنه يريد أنه لا حاجة للتقييد بالطلب كما يشير إليه ما سيذكره . ا هـ . سم ( قوله وحينئذ ) أي : حين إذ فصل بذلك التفصيل ( قوله فينبغي إلخ ) لا يخفى ما في هذا التفريع ( قوله الاكتفاء ) أي : في كون القول المار نذر تبرر ( قوله : ومحبته ) عطف على ندبها وضميره للمشتري ( قوله : وإن لم تندب ) أي المحبة لإحضار البائع مثل العوض لكن المراد عدم ندب الإحضار بعلاقة اللزوم ؛ لأن نفي اللازم وهو ندب المحبة للإحضار يستلزم نفي الملزوم وهو ندب الإحضار ( قوله : في إن خرج المبيع إلخ ) أي : في قول البائع للمشتري إن خرج إلخ ( قوله : ويوجه ) أي : كون الهبة على هذا الوجه ليست قربة ( قوله المكروه له ) أي : للبائع ( قوله : لكراهة المعلق عليه ) أي ولعدم قربة الملتزم ( قوله : فاندفع ما قيل إلخ ) القائل شيخ الإسلام ووافقه المغني حيث قال بعد عزوه للتوجيه الأول لابن المقري ما نصه : والأوجه كما قال شيخنا : انعقاد النذر وأي فرق بينه وبين قوله إن فعلت كذا فلله علي أن أصلي ركعتين ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية