الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الثاني]

نخبة من الباحثين

- تحالف الجبت والطاغوت:

ولعـل مرحلـة ما بعد الاستعمار، ولا نقول الاستقلال والتحرير، كانت الأخطر والأشد، ذلك أن هذه المرحلة الملحقة أصلا بالاستعمار، والتي ساهم الاستعمار باختيار زعمائها للامتداد برسالته، والقيام بمهمته بالوكالة والنيابة عنه، حيث أغتيلت وأجهضت على يدهم حركات المقاومة والجهـاد وثورات التحـرير، التي كافحـت باسم الإسلام، وحرمت من ثمرات عملهـا، ليـأتي البديل العميـل المدعـوم من الاستعمار، الموالي له، الذي لا يمكن أن يحكم أو يستمر إلا بخلق أجواء من الإرهاب، والرعب، والقمـع، وأنظمة الطوارئ، والاستبداد السياسي، واستخدام العنف والإقصاء والمطاردة.

لقد ترك الاستعمار في بلاد المسلمين أنظمة هي أشبه ما تكون بالمخـافر ومؤسسـات الأمن، وسهر على رعايتها ودعمها بكل ما تتطلبه، حيث كان المقوم الأساس لممارستها هو استخدام القوة الباطشة والإرهاب والإرعاب والعنف لمواجهة الخصوم، وكبتهم، والتغلب عليهم بأية وسيلة، وكان ذلك تكريسا للتخلف الاجتماعي في كل شيء، عدا أدوات القمع والإرهاب وأساليبه، والاستبداد السياسي، وغياب الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، وانسداد أقنية المشاركة الشعبية، وما يورثه ذلك من الاحتقان السياسي ومصادرة كرامة الناس وإهانتهم، ومطاردة كل صاحب رأي وعقل، [ ص: 144 ] وتقديم أصحاب الثقة ولو كانوا من الرعاع والتوافه، ومطاردة أهل الخبرة والعلم والاختصاص، وإيصال الناس إلى حالات من الإحباط واليأس والاستفزاز، الأمر الذي سوف يدفعهم بشكل طبيعي وعفوي إلى اللجوء إلى القوة وممارسة العنف، فالقـائمين على قمعهـم وقهرهم لم يتفوقوا عليهم بعلم أو معرفة وحكمة وإنما تسلطوا عليهم بالقوة، فدفعهم هذا إلى اللجوء إلى القوة والعنف.

وفي ظل هذا المناخ، الذي يتسم بانعدام معنى المواطنة وحقوق المواطن، وهدر كرامته، وتحويله إلى كائن مقهور، مقموع، مسلوب الحرية، مهمش، يائس، فاقد للقيمة والاعتبار والأمل، يفتقد هذا المواطن روح المقاومة والدفاع عن المعاني والحقوق التي يجب أن يوفرها له الوطن، فيطرح على نفسـه ومن حـوله السـؤال الكبير: عن ماذا أقاوم وأدافع؛ فالعدو لا يجد ما يسلبني إياه، فما عندي ما أخشى عليه، هذا إن لم يكن العدو أكثر رحمة في بعض الأحيان؟

لـذلك يمـكن القـول: إن الحـرية والديـمقراطية والنقد والمراجعة مكنت لإسرائيل، وضمنـت استـمرارها وقدرتـها على معالجة أخطائها، وأن الاستبداد والقمع والقهر أسس لهزيمة الدول العربية وتوالي انتكاساتها وتكريس تخلفها. [ ص: 145 ]

وليس الاستئثار بالثروة والاستغلال للجهود البشرية، بحيث يتحول المجتمـع إلى كتـلة أحـقاد: "أناس يعمـلون ولا يأكلون، وأناس يأكلون ولا يعملون" هذه الصورة التي كانت ولا تزال تشكل منبعا للحقد والاحتقان والظلم والاجتماعي، تورث ألغاما اجتماعية موقوتة، لا تلبث أن تنفجر عنفا وتطرفا وإرهابا وثأرا وانتقاما؛ ولا تعدم في الوقت نفسه من إيجاد المسوغات الاجتماعية، وحتى الشرعية، فالظلم الاجتماعي منجم لتفريخ الإرهـاب والتـطرف، ولا تزال صـور العنف والإرهاب وحجم الضحايا التي دفعتـها البشـرية بسبب استغلال الحقد الطبقي من قبل الثورة الشيوعية تملأ الذاكرة، وسوف تتكرر ثورات الجياع والمظلومين طالما كانت أسبابها موجودة.

التالي السابق


الخدمات العلمية