الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الثاني]

نخبة من الباحثين

- الرحمة للعالمين:

ولعلنا نقول هنا: إن القاعدة الأساس، أو الركيزة الأساس التي تقوم عليها فلسفة الحضـارة الإسلامية وتنطلق منها وتشكل مقصدا لها، بمعنى [ ص: 155 ] أنها تنطلق منها وتسعى لتحقيقها على مستوى الإنسان، هي: "الرحمة"، بكل أبعادها ومدلولاتها، حتى لقد حصر القرآن الكريم رسالة النبوة الخاتمة وحدد هدفها بقوله: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (الأنبياء:107).. والعـالمـين هـنـا لمن له أدنى إلمـام بالعربية، لغة التنـزيل، لا تقتصر على عـالم الإنسان وإنما تتجاوز إلى العوالم الأخرى جميعا، يقول تعـالى: ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (الأنعام:38)، حتى جعل الله سبحانه وتعالى المخلوقات، على تنوعها عضويا ووظيفة، منشأها وأصلها واحد.. فهي متجانسة متآخية مترافقة بأصل المنشأ، يقول تعالى: ( والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ) (النور:45).

فالرحمة، وهي أعلى درجات السمو والرقي والتعاطف والحنو والرأفة والإحسان، وهي منبع صفات وخصائص الخير جميعا، هي غاية الشريعة وقاعدتها، فالتراحم بين الناس هو سبب تنـزل رحمة الله عليهم، ورحمة الله تقتضي أيضا التراحم بين الناس: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) [1] . [ ص: 156 ]

فالرحمة في الحضـارة الإسـلامية هي معيار السـلوك الراقي المثير للاقتـداء، الحائل دون القسـوة والجفاء والانتقـاص، قال تعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) (آل عمران:159).

التالي السابق


الخدمات العلمية