الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كان لي عليه تبر فضة مكسورة فلما حل الأجل أخذت منه أجود من فضتي وهو أقل وزنا من الذي لي عليه ؟ .

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجوز هذا لأنه إنما أخذ جودة هذه الفضة لما ترك من وزن فضته لصاحبه . قلت : فإن أخذت أردأ من فضتي أقل من وزن فضتي قال : لا بأس بذلك قلت : لم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأنك أخذت أقل من حقك في جودة الفضة والوزن فلا بأس بذلك قلت : فلو كان لي على رجل سمراء فلما حل الأجل أخذت منه محمولة أقل كيلا من حنطتي التي لي عليه من السمراء وقد علم أن السمراء أفضل من المحمولة أيجوز هذا أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجوز هذا إذا كان يأخذ المحمولة من جميع حقه قال سحنون ، وقال أشهب : إنه جائز وهو مثل الفضة .

                                                                                                                                                                                      وكذلك لو اقتضى دقيقا من قمح والدقيق أقل كيلا إنه لا بأس به إلا أن يكون الدقيق أجود من قمح الدين قلت لابن القاسم : لم ، وقد جوزته في الفضة التبر ، ألا ترى أن ما أخذت من الطعام أقل من كيل طعامي وأدنى في الجودة حين أخذت محمولة من سمراء فلم تجوزه لي وقد جوزته لي في الفضة المكسورة إذا أخذت دون وزن فضتي وأدنى منها في الجودة فما فرق ما بينهما قال : لأن الطعام المحمولة والسمراء صنفان مفترقان متباعد ما بينهما في البيوع واختلاف أسواقها عند الناس وإن كانت حنطة كلها ألا ترى أن الشعير قد جعل مع الحنطة أنه لا يصلح إلا مثلا بمثل والسلت كذلك ، وافتراقهم في البيع والشراء افتراق شديد وبينهما في الثمن عند الناس تفاوت بعيد والمحمولة من السمراء بمنزلة الشعير من المحمولة ومن السمراء في اقتضاء بعضه من بعض لاختلافهما في الأسواق فإن أخذ في قضاء الشعير من الحنطة أقل من كيل ما كان له من الشعير أو أخذ في قضاء الحنطة من الشعير أقل من كيل ما كان له من الحنطة بشرط أن يأخذ الذي يأخذ بجميع حقه من الآخر لم يصلح ذلك .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وكذلك قضاء السلت من الحنطة والشعير وكذلك المحمولة من السمراء إذا كانت بشرط أن يأخذها بجميع حقه من السمراء كان بيع الطعام بالطعام متفاضلا وإن كان من قرض أو تعد فهو سواء والسمراء من المحمولة لا يصلح له أن يأخذ أقل من كيل ما كان له من السمراء المحمولة ، وأما الفضة التبر فكلها عند الناس [ ص: 41 ] نوع واحد وأمر قريب بعضه من بعض ليس في الأسواق بين الناس في الفضة المكسورة اختلاف في الجودة إن بعضها أجود من بعض ، وأنه وإن كان في الفضة ما بعضها أردأ من بعض عند الناس فلا يكون الرديء على حال أجود من ذلك فلذلك يكون بينهما من التفاوت والاختلاف في الثمن مثل ما يكون بين السمراء والشعير فلذلك جاز للذي أخذ فضة دون فضته في الجودة وأخذ دون وزنها جاز له ذلك ولم يقل له : بعت فضتك بفضة أقل من وزنها لاقتراب الفضة بعضها من بعض وإنما هو رجل ترك بعض فضته وأخذ بعضها .

                                                                                                                                                                                      وقيل للذي أخذ المحمولة من السمراء بشرط على ما وصفت لك حين أخذ أقل من كيلها : إنما أنت رجل بعت سمراء بمحمولة أقل من كيلها لافتراق ما بين المحمولة وبين السمراء عند الناس وفي أسواقهم لأنه قد تكون السمراء أجود ، وربما كانت المحمولة أجود فإذا وجدنا هذا هكذا تكون دخلت التهمة بينهما فإذا دخلت التهمة بينهما فسد ما صنعا ولم يحل فصار بيع الطعام بالطعام متفاضلا وأما ما وصفت لك من أمر الفضة فبعضها قريبة من بعض وأسواقها كذلك فلا تدخل في ذلك التهمة فلما سلما من التهمة جاز لهما ما صنعا إلا أن يكون الذي أخذ من الفضة هي أجود من فضته وأقل وزنا فلا خير فيه . قلت : والذهب مثل الفضة في جميع ما سألتك عنه قال : نعم

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية