الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أكريت أرض يتيم لي في حجري ثلاث سنين أو أربع سنين أو أكريت غلاما له أو دارا له أو إبله سنتين أو ثلاثة أو أربعة ، ثم احتلم الصبي بعد سنة أو سنتين ؟ قال : إن كان الوصي أكرى هذه السنين وهو يظن أن الصبي في مثل تلك السنين لا يحتلم وذلك ظن الناس أنه لا يحتلم في مثل تلك السنين فعجل به الاحتلام وأنس منه الرشد لم يكن له أن يرد ما صنع الوصي وجاز ذلك عليه ; لأن الوصي إنما صنع من ذلك ما يجوز له في تلك الحال ولم يتعمد ما لا يجوز من ذلك ، فذلك جائز على اليتيم وإن بلغ . وقال غيره : لا يلزم ذلك اليتيم إلا فيما قبل .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : فإن كان أكرى هذه الأشياء وهو يعلم أن الصبي يحتلم قبل ذلك ؟ قال : لا يجوز ذلك عليه . قال : وكذلك المولى عليه يؤاجر عليه السلطان أو وصيه أو ولي جعله له السلطان أرضه أو رقيقه أو دوره السنة والسنتين أو الثلاث ، ثم يفيق ويؤنس منه الرشد والخير إن الإجارة لازمة له ; لأن الوصي إنما فعل في هذه الأشياء ما يجوز له أن يفعله يوم فعله فهذا له لازم . وقال غيره : لا يصلح لوصي المولى عليه أن يؤاجر هذه الأشياء السنين الكثيرة وإنما يجوز من ذلك السنة وما أشبهها ; لأن هذا يرجى منه الإفاقة كل يوم وكراء السنة وما أشبهها مما يتكارى الناس فيما بينهم والسنين إنما هو أمر خاص ليس هو ما يتكاراه الناس بينهم ، فهذا لا ينبغي أن يكرى عليه شيء من أرضه ودوره ورقيقه وإبله إلا على مثل ما يتكارى جل الناس فيما بينهم ; لأن هذا ترجى إفاقته كل يوم ، فالوصي إن كان أكرى عليه السنين الكثيرة فأفاق هذا بعد ذلك كان قد حجر عليه ماله بعد إفاقته فلا ينبغي ذلك له وله أن يرد ذلك . [ ص: 466 ]

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : والوالد في هذا بمنزلة الوصي عندك في ولده الصغير الذي في حجره فلا ينبغي أن يكري على ابنه أرضه أو ماله السنين الكثيرة التي يعلم أن الصبي يحتلم قبل انقضائها ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية