الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن عثمان بن حفص بن عمر بن خلدة عن ابن شهاب أنه بلغه أن أبا لبابة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه قال يا رسول الله أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزيك من ذلك الثلث

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1039 1024 - ( مالك عن عثمان بن حفص بن عمر ) بن عبد الرحمن ( بن خلدة ) بفتح المعجمة وسكون اللام الأنصاري الزرقي ، كان رجلا صالحا ولي قضاء المدينة في زمن عبد الملك .

                                                                                                          وروي عن معاوية وعن جده عمر وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص والزهري ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال ابن عبد البر : ثقة فقيه روى عنه مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ولم يرو عنه غيرهما فيما علمت ، ووهم العقيلي فسماه عمر ، وبنو خلدة معروفون بالمدينة لهم أحوال وشرف وجلالة في الفقه وحمل العلم ( عن ابن شهاب ) محمد بن مسلم شيخ الإمام روى عنه هنا بواسطة ( أنه بلغه ) وعند ابن وهب في موطئه عن يونس عن الزهري قال : أخبرني بعض بني السائب بن أبي لبابة ، ورواه إسماعيل بن علية عن الزهري عن ابن لكعب بن مالك عن أبيه وعن ابن أبي لبابة عن أبيه ( أن أبا لبابة ) بشيرا وقيل رفاعة ووهم من سماه مروان ( ابن عبد المنذر ) الأنصاري المدني الأوسي أحد النقباء وعاش إلى خلافة علي ( حين تاب الله عليه ) من إشارته إلى بني قريظة كما جزم به ابن إسحاق وكانوا حلفاء الأوس أو من تخلفه عن غزوة تبوك فارتبط بسارية المسجد حتى نزل : وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( سورة التوبة : الآية 102 ) الآية ، كما رواه ابن مردويه وابن جرير عن ابن عباس ، وابن منده وأبو الشيخ عن جابر بإسناد قوي ، فيحتمل تعدد ربطه نفسه وتعدد النزول ذكر ابن إسحاق وغيره : " أن بني قريظة بعثوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ابعث لنا أبا لبابة فبعثه فقام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون فرق لهم [ ص: 104 ] فقالوا : أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح ، قال : فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله فندمت واسترجعت فنزلت وإن لحيتي لمبتلة من الدموع والناس ينتظرون رجوعي إليهم حتى أخذت من وراء الحصن طريقا أخرى حتى جئت المسجد وارتبطت بالأسطوانة المخلقة وقلت : لا أبرح حتى أموت أو يتوب الله علي مما صنعت ، وعاهدت الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا ، فلما بلغه - صلى الله عليه وسلم - خبره وكان قد استبطأه قال : أما لو جاءني لاستغفرت له ، وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه " وروى ابن مردويه عن أم سلمة : " أن توبة أبي لبابة نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها قالت : فسمعته من السحر يضحك فقلت : يا رسول الله مم تضحك أضحك الله سنك ؟ قال : تيب على أبي لبابة ، قلت : أفلا أبشره ؟ قال : ما شئت فقمت على باب الحجرة وذلك قبل أن يضرب الحجاب فقلت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك ، فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يطلقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، فلما خرج إلى الصبح أطلقه ونزلت : وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( سورة التوبة : الآية 102 ) الآية ، وروى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ثقيلة بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه وكاد يذهب بصره فكانت ابنته تحله للصلاة وللحاجة فإذا فرغ أعادته .

                                                                                                          وذكر ابن إسحاق أنه ارتبط ست ليال تأتيه امرأته فتحله للصلاة ثم تربطه ، فلعل امرأته تقيدت به في الست وابنته في باقي البضع عشرة فلا خلف .

                                                                                                          ( قال : يا رسول الله أهجر ) بتقدير همزة الاستفهام ( دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك ) في مسجدك أو أسكن ببيت بجوارك ( وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ) يصرفها في وجوه البر ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يجزيك من ذلك الثلث ) قال ابن عبد البر : كذا هذا الحديث عند يحيى وابن القاسم وابن وهب وطائفة منهم ، وروته طائفة منهم عبد الله بن يوسف عن مالك أنه بلغه لم يذكر عثمان ولا ابن شهاب وليس هذا الحديث في الموطأ عند أبي بكير ولا أكثر الرواة .




                                                                                                          الخدمات العلمية