الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          977 961 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ) الأنصاري ويقال له عبد الله ، من الثقات ( عن أبيه ) الوليد يكنى أبا عبادة ولد في العهد النبوي وهو من كبار التابعين مات بعد السبعين من الهجرة ( عن جده ) عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبي الوليد المدني البدري أحد النقباء ، قال سعيد بن عفير : كان طوله عشرة أشبار مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله ثنتان وسبعون سنة ، وقيل عاش إلى خلافة معاوية ( قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ليلة العقبة وضمن بايع معنى عاهد فعدي بعلى في قوله ( على السمع ) له بإجابة أقواله ( والطاعة ) له بفعل ما يقول ، قال الباجي : السمع هنا يرجع إلى معنى الطاعة ( في اليسر والعسر ) أي يسر المال وعسره ( والمنشط ) بفتح الميم والمعجمة بينهما نون ساكنة آخره طاء مهملة مصدر ميمي من النشاط ( والمكره ) بفتح أوله وثالثه مصدر ميمي أيضا أي وقت النشاط إلى امتثال أوامره وقت الكراهية كذلك ، وقال ابن التين : الظاهر أن المراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق قوله المنشط ، ويؤيده رواية أحمد من طريق إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة في النشاط والكسل ، وقال الطيبي : أي عهدنا بالتزام السمع والطاعة في حالتي الشدة والرخاء والضراء والسراء ، وإنما عبر بالمفاعلة للمبالغة والإيذان بأنه التزم لهم أيضا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا ، زاد في رواية مسلم : وعلى أثره علينا ( وأن لا ننازع الأمر ) أي الملك والإمارة ( أهله ) قال الباجي : يحتمل أن هذا شرط على الأنصار ومن ليس من قريش أن لا ينازعوا أهله وهم قريش ، ويحتمل أنه مما أخذ على جميع الناس أن لا ينازعوا من ولاه الله الأمر منهم وإن كان فيهم من يصلح لذلك الأمر إذا صار لغيره ، قال السيوطي : الثاني هو الصحيح ويؤيده أن في مسند أحمد زيادة : " وإن رأيت أن لك في الأمر حقا " ، وعند ابن حبان زيادة : " وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك " وفي البخاري زيادة : " إلا أن تروا كفرا بواحا " أي ظاهرا باديا انتهى .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : اختلف في أهله فقيل أهل العدل والإحسان والفضل فلا ينازعون لأنهم أهله ، أما أهل الفسق والجور والظلم فليسوا بأهله ، ألا ترى قوله تعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) ( سورة البقرة : الآية 124 ) [ ص: 14 ] وإلى منازعة الظالم الجائر ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج ، أما أهل السنة فقالوا : الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا فإن لم يكن فالصبر على طاعة الجائر أولى من الخروج عليه لما فيه من استبدال الأمن بالخوف وهرق الدماء وشن الغارات والفساد وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه ، والأصول تشهد والعقل والدين أن أولى المكروهين أولاهما بالترك .

                                                                                                          ( وأن نقول ) باللام ( أو نقوم ) بالميم شك من يحيى بن سعيد أو مالك وفيه دليل على الإتيان بالألفاظ ومراعاتها قاله ابن عبد البر ( بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله ) أي في نصرة دينه ( لومة لائم ) من الناس ، واللومة المرة من اللوم ، قال الزمخشري : وفيها وفي التنكير مبالغتان كأنه قال : لا نخاف شيئا قط من لوم أحد من اللوام ، و " لومة " مصدر مضاف لفاعله في المعنى ، وفيه تغيير المنكر على كل من قدر عليه ، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى وجب أن يغيره بيده فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه ، وكما وجبت مجاهدة الكفار حتى يظهر دين الله كما قال : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) ( سورة الحج : الآية 78 ) كذلك يجب مجاهدة كل من عاند الحق حتى يظهر على من قدر عليه .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : هكذا روى هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد جمهور رواته وهو الصحيح وما خالفه عن مالك فليس بشيء ، واختلف فيه على يحيى بن سعيد فذكره مبسوطا أضربت عنه لأن الشيخين لم يلتفتا إليه واعتمدا رواية مالك ومن وافقه ، فأخرجه البخاري في كتاب الأحكام عن إسماعيل عن مالك به ، ومسلم في المغازي من طريق عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد ، وعبيد الله بن عمر عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده به .




                                                                                                          الخدمات العلمية