الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1160 1140 - ( مالك ، عن ابن شهاب ) الزهري ( عن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أنه كان يقول ) قال ابن عبد البر : جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه ، ورواه روح بن القاسم عنه مصرحا برفعه ، وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحا برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( شر ) وليحيى النيسابوري : بئس ( الطعام طعام الوليمة ) قال البيضاوي : يريد من شر الطعام ، فإن من الطعام ما يكون شرا منه وإنما سماه شرا لقوله : ( يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين ) وللتنيسي : الفقراء ، يعني الغالب فيها ذلك فكأنه قال : طعام الوليمة التي من شأنها هذا ، فاللفظ وإن أطلقه فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه ، وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر بالوليمة وأوجب إجابة الداعي ورتب العصيان على تركها . وتعقبه الطيبي بأن التعريف في الوليمة للعهد الخارجي ، وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم . وقوله : يدعى . . . إلخ ، استئناف بياني لكونها شر الطعام ، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير " من " ، وقوله : " ويترك الفقراء " حال والعامل " يدعى " ، أي يدعى إليها الأغنياء ، والحال أنه يترك الفقراء ، والإجابة واجبة ، فيكون الدعاء سببا لأكل المدعو شر الطعام ، وقول التنقيح جملة يدعى في موضع الصفة لطعام رده في المصابيح بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على جعل اللام جنسية مثلها في قوله :


                                                                                                          ولقد أمر على اللئيم يسبني



                                                                                                          ويستغنى حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة لطعام . اهـ .

                                                                                                          ( ومن لم يأت ) وللتنيسي : ومن ترك ( الدعوة ) بفتح الدال على المشهور ، وهي أعم من الوليمة لأنها [ ص: 246 ] خاصة بالعرس كما نقله أبو عمر عن أهل اللغة ، وقال النووي : بفتح الدال دعوة الطعام ، أما دعوة النسب فبكسرها ، هذا قول جمهور العرب ، وعكسه تيم الرباب بكسر الراء ، فقالوا : الطعام بالكسر والنسخ بالفتح ، وقول قطرب : دعوة الطعام بالضم غلطوه اهـ . والمراد هنا دعوة العرس وإن كان لفظ الدعوة أعم لقوله : ( فقد عصى الله ورسوله ) إذ فيه دليل على وجوب الإجابة ; لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب ، وإنما تجب إجابة وليمة العرس . قال القرطبي : وفيه دلالة على أنه مرفوع لأن أبا هريرة لا يقوله من نفسه ، ونحوه قول أبي عمر : هذا حديث مسند عندهم ، أيقول أبو هريرة فقد عصى الله ورسوله ؟ قال النووي : بين الحديث وجه كونه شر الطعام بأنه يدعى له الغني عن أكله ويترك المحتاج لأكله ، والأولى العكس ، وليس فيه ما يدل على حرمة الأكل ; إذ لم يقل أحد بحرمة الإجابة ، وإنما هو من باب ترك الأولى كخبر : "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها " . ولم يقل أحد بحرمة الصلاة في الصف الأخير ، والقصد من الحديث الحث على دعوة الفقير وأن لا يقتصر على الأغنياء .

                                                                                                          وقال عياض : إن كان من قول أبي هريرة فأخبر بحال الناس واختصاصهم بها الأغنياء دون المحتاجين وكانوا أولى بها لسد خلتهم ، وخير الأفعال أكثرها أجرا ، وذلك غير موجود في الأغنياء ، وإنما هو نوع من المكارمة ، وإن كان رفعه ، وهو الصحيح ، فهو إخبار منه - صلى الله عليه وسلم - عما يكون بعده ، وقد كره العلماء تخصيص الأغنياء بالدعوة ، فإن فعل فقال ابن مسعود : إذا خص الأغنياء أمرنا أن لا نجيب . وقال ابن حبيب : من فارق السنة في وليمته فلا دعوة له . وقال أبو هريرة : أنتم العاصون في الدعوة .

                                                                                                          ودعا ابن عمر في وليمة الأغنياء والفقراء ، فجاءت قريش ومعها المساكين ، فقال لهم : هاهنا فاجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم سنطعمكم مما يأكلون .

                                                                                                          وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى ، كلاهما عن مالك به موقوفا ، وتابعه سفيان ومعمر كلاهما عن ابن شهاب ، وتابع ابن شهاب أبو الزناد عن الأعرج ، وتابع الأعرج سعيد بن المسيب كل ذلك عند مسلم موقوفا ، وأخرجه من طريق زياد بن سعد : " سمعت ثابتا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " شر الطعام الوليمة ، يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله " فخالف ثابت وهو ابن عياض الأحنف الأعرج العدوي مولاهم ، وهو ثقة ، عبد الرحمن الأعرج وابن المسيب فإنهما وقفاه عن أبي هريرة وثابت رفعه عنه ، وقد تابعه محمد ابن سيرين عن أبي هريرة في رفعه ، أخرجه أبو الشيخ .

                                                                                                          وفي التمهيد : روى جماعة هذا الحديث عن ابن شهاب مرفوعا بغير إشكال ، ثم أخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بئس الطعام " ، فذكره ثم قال : وهكذا رواه ابن عيينة مرفوعا . اهـ . لكن الذي في مسلم عن ابن [ ص: 247 ] عيينة مرفوعا كما علمت ، قال النووي : إذا روي الحديث موقوفا ومرفوعا حكم برفعه على الصحيح لأنها زيادة عدل اهـ . وله شواهد مرفوع عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجائع " . أخرجه الطبراني والديلمي بإسناد فيه مقال .




                                                                                                          الخدمات العلمية