الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثل ذلك .

                                                                                                          قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا قال الله تعالى في كفارة المتظاهر فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا قال مالك في الرجل يتظاهر من امرأته في مجالس متفرقة قال ليس عليه إلا كفارة واحدة فإن تظاهر ثم كفر ثم تظاهر بعد أن يكفر فعليه الكفارة أيضا قال مالك ومن تظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة ويكف عنها حتى يكفر وليستغفر الله وذلك أحسن ما سمعت قال مالك والظهار من ذوات المحارم من الرضاعة والنسب سواء قال مالك وليس على النساء ظهار قال مالك في قول الله تبارك وتعالى والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا قال سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إمساكها وإصابتها فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه قال مالك فإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر قال مالك في الرجل يتظاهر من أمته إنه إن أراد أن يصيبها فعليه كفارة الظهار قبل أن يطأها قال مالك لا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفيء من تظاهره

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1189 1173 - ( مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثل ذلك ) الذي قاله عروة ( قال مالك : وعلى ذلك الأمر عندنا ) وهو المشهور في المذهب ، وفيه قول ضعيف بالتعدد ( قال الله تبارك وتعالى في كفارة المتظاهر ) وفي نسخة : في كتابه : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ) ( سورة المجادلة : الآية 3 ) ( فتحرير رقبة ) أي إعتاقها ، ويشترط أنها مؤمنة لأنه تعالى قيد بذلك في كفارة القتل فيحمل المطلق هنا على ذلك المقيد عند الأئمة الثلاثة وخالف أبو حنيفة ; لأن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف الأحكام لأجل إصلاح الحكمة ، والقتل مباين للظهار ، وهذا ظاهر ببادئ الرأي ، لكن يرد ما في الصحيح في حديث السوداء : " أن سيدها قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : علي رقبة ، ولم يذكر عن ماذا ، أفأعتقها ؟ فلم يأذن له حتى قال : أين الله تعالى ؟ فقالت : في السماء ، قال : ومن أنا ؟ قالت : رسول الله ، فقال : أعتقها فإنها مؤمنة " . ( من قبل أن يتماسا ) : ( ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير ) ( سورة المجادلة : الآية 3 ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا بالوطء والاستمتاع بقبلة أو مباشرة ، حملا له على عمومه عند أكثر العلماء ، وبعضهم حمله على الوطء فله أن يقبل ويباشر ويطأ الفرج . فمن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينا عليه من قبل أن يتماسا حملا للمطلق على المقيد لكل مسكين مد وثلثان بمده - صلى الله عليه وسلم - ، ولا خلاف عند المالكية أن هذا العدد معتبر فلا يجزئ ما دونه ولو دفع إليهم مقدار طعام الستين ، وقاله الشافعي . وقال أبو حنيفة : إن أطعم مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه ; لأنه سد ستين خلة [ ص: 270 ] وهو مقصود الشرع ، ورد بأن الله تعالى نص على عدد المساكين فلا يترك النص الصريح لاستنباط معنى منه لأنه فرع يكر على أصله بالبطلان فهو أولى بالبطلان . ( قال مالك في الرجل يتظاهر من امرأته في مجالس متفرقة ، قال : ليس عليه إلا كفارة واحدة فإن تظاهر ثم كفر ثم تظاهر بعد أن يكفر فعليه الكفارة أيضا ) لأنه ظهار مستأنف ( ومن تظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة ) وإن فعل حراما إذ لا يلزم منه تعددها ( ويكف عنها حتى يكفر ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل ظاهر من امرأته وواقعها : " لا تقربها حتى تكفر " . رواه أبو داود وغيره . ( وليستغفر الله ) يتب إليه ويندم ( وذلك أحسن ما سمعت ) وتتحتم عليه الكفارة حينئذ مطلقا ، بقيت المرأة في عصمته أم لا ، قامت بحقها في الوطء أم لا ; لأنه حق لله تعالى بخلاف ما إذا لم يطأ وطلقها أو مات أو لم تقم بحقها في الوطء عند بعضهم فلا تجب الكفارة لأنه حق آدمي وحق الله أوكد . ( والظهار من ذوات المحارم من الرضاعة والنسب سواء ) لأنه تشبيه من تحل بمن تحرم ، فهو شامل لمن حرمت بالرضاعة ( وليس على النساء ظهار ) فإذا تظاهرت المرأة من زوجها لم يلزمها شيء لأن الله تعالى إنما جعله للرجال فلا مدخل فيه للنساء .

                                                                                                          ( قال مالك في قول الله تبارك وتعالى : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ) ( سورة المجادلة : الآية 3 ) قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع ) بضم فسكون فكسر ، يعزم ويصمم ( على إمساكها وإصابتها ) الذي هو خلاف قصد الظهار من وصف المرأة بالتحريم ( فإن أجمع ) عزم وصمم ( على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة ) لأن دخول الفاء في خبر المبتدأ الموصول دليل على الشرطية كقولك : الذي يأتيني فله درهم ، فبانتفاء العود ينتفي الوجوب وهو ظاهر [ ص: 271 ] ولذا قال : ( وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه ) لا وجوبا ولا غيره ، وإن كان لا يلزم من انتفاء الوجوب انتفاء الجواز ; لأن الوجوب إما أخص أو حقيقة أخرى ، لكن أكثر أهل المذهب على أن الجواز ينتفي بانتفاء العود . ( قال مالك : فإن تزوجها بعد ذلك ) الطلاق ( لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر ) لعموم الآية . ( قال مالك في الرجل يتظاهر من أمته : أنه إن أراد أن يصيبها فعليه كفارة الظهار قبل أن يطأها ) لأنه فرج حلال فيحرم بالتحريم ، فدخلت في قوله تعالى : ( من نسائهم ) ( سورة المجادلة : الآية 3 ) إذ لا شك أنها من النساء لغة وإنما خصها بالزوجات العرف . وقد أخرج ابن الأعرابي في معجمه من طريق همام : سئل قتادة عن رجل ظاهر من سريته فقال : قال الحسن وابن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار : مثل ظهار الحرة ، وقال الحنفي والشافعي : إنما الظهار من الزوجة لا الأمة ; لأنها ليست من النساء أي عرفا ، ولقول ابن عباس : الظهار كان طلاقا ثم أحل بالكفارة ، فكما لا حظ للأمة في الطلاق لا حظ لها في الظهار . ( ولا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفيء من تظاهره ) فيدخل عليه الإيلاء .




                                                                                                          الخدمات العلمية