الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويرخص في ) بيع ( العرايا ) جمع عرية وهي ما تفرد للأكل لعروها عن حكم باقي البستان ( وهو بيع الرطب ) ويلحق به البسر كما قاله الماوردي وغيره إذ الحاجة إليه كهي إلى الرطب ( على النخل ) خرصا ( بتمر ) لا رطب ( في الأرض أو ) بيع ( العنب ) ومن ألحق به الحصرم قياسا على البسر فقد غلط كما أفاده الأذرعي لبدو صلاح البسر وتناهي كبره فالخرص يدخله بخلاف الحصرم فيهما ونقل الإسنوي له عن الماوردي غير صحيح لأن الصواب إلحاق البسر خاصة ( في الشجر بزبيب ) لخبر الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر } : أي بالمثلثة وهو الرطب بالتمر ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها أي بالفتح ، ويجوز الكسر مخروصها يأكلها أهلها رطبا ، وقيس به العنب بجامع كونه زكويا يمكن خرصه ويدخر يابسه ، وأفهم كلامه أنهما لو كانا معا على الشجر أو على الأرض أنه لا يصح ، وهو كذلك خلافا لبعض المتأخرين حيث ذهب إلى أنه جرى على الغالب إذ الرخصة يختصر فيها على محل ورودها وأنه لا يصح بيع الرطب بالرطب وهو [ ص: 158 ] كذلك كما مر في الربا .

                                                                                                                            ومحل الجواز في العرايا ما لم يتعلق بالثمرة زكاة كأن خرصت عليه وضمن أو لنقصها عن النصاب أو لكفر مالكها ( فيما دون خمسة أوسق ) بتقدير الجفاف المراد بخرصها السابق في الخبر بمثله تمرا مكيلا يقينا لخبرهما أيضا { رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق } ودونها جائز يقينا فأخذنا به لأنها للشك مع أصل التحريم ولا يجوز فيما زاد عليها قطعا ، ومتى زاد على ما دونها بطل في الجميع ، ولا يخرج على تفريق الصفقة كما مر في بابه ، وظاهر كلامه الاكتفاء في النقص عن الخمسة بما ينطلق عليه الاسم حتى قال الماوردي إنه يكفي نقص ربع مد ، والأوجه كما قاله بعض المتأخرين عدم الاكتفاء بذلك بل لا بد من زيادة على تفاوت ما يقع بين الكيلين ، إذ ربع المد والمد لا يقع التفاوت به بين الكيلين غالبا لا سيما في الخمسة الأوسق ، والمراد بالخمسة أو ما دونها إنما هو من الجفاف وإن كان الرطب الآن أكثر ، فإن تلف الرطب أو العنب فذاك ، وإن جفف وظهر تفاوت بينه وبين التمر أو الزبيب ، فإن كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وإن كان أكثر تبين بطلان العقد ، ومحل البطلان فيما فوق الدون المذكور إن كان في صفقة واحدة ( و ) أما ( لو زاد ) عليه ( في صفقتين ) وكل منهما دون الخمسة فلا بطلان وإنما ( جاز ) ما ذكر لأن كلا عقد مستقل وهو دون الخمسة ، وتتعدد الصفقة هنا بما مر ، فلو باع ثلاثة لثلاثة كانت في حكم تسعة عقود .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وهي ما تفرد ) لعل المراد لغة وقوله : في المتن وهو بيع الرطب إلخ لعل المراد شرعا ا هـ سم على منهج : أي وذلك لأن قوله جمع عرية يقتضي أن العرايا هي النخلات التي تفرد للأكل وتفسيرها ببيع الرطب ينافيه ، فأشار إلى منع التنافي بما ذكره ( قوله : ومن ألحق به الحصرم ) قال في المصباح : الحصرم أول العنب ما دام حامضا .

                                                                                                                            قال أبو زيد : وحصرم كل شيء حشفه ومنه قيل للبخيل حصرم ، وتقدم عن القاموس أنه يطلق على التمر قبل النضج ( قوله : فيهما ) أي بدو الصلاح وتناهي كبره ( قوله : في الشجر ) أي على الشجر أو جعل الشجر ظرفا مجازا ( قوله : نهى عن بيع الثمر ) ع روى جابر { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة والثنيا } رواه مسلم .

                                                                                                                            والمعاومة بيع الشجر سنتين أو ثلاثا فصاعدا ، والثنيا أن يستثني في البيع شيئا يفسده .

                                                                                                                            والمخابرة ستأتي ا هـ سم على منهج ( قوله : على الشجر ) أي ثابتين .

                                                                                                                            بخلاف المقطوع على الشجر فإنه كالذي بالأرض ا هـ سم على منهج نقلا عن الشارح وعبارته : والمراد بكونه على الأرض كونه مقطوعا وإن كان على رءوس الشجر مر ا هـ ( قوله : إذ الرخصة إلخ ) يرد عليه ما تقدم من أن جواز العنب بالزبيب [ ص: 158 ] مقيس على الرطب بالتمر مع أن قوله هنا إذ الرخصة إلخ يقتضي عدم صحة القياس فيها ، والراجح جواز القياس في الخرص ، فالظاهر من حيث المعنى ما جرى عليه البعض المذكور ( قوله : كأن خرصت عليه ) أي المالك ( قوله : لخبرهما ) أي الصحيحين ( قوله : ودونها ) مستأنف استدلالا على الأخذ بالدون ( قوله : لأنها ) أي الصيغة ( قوله : كما مر ) أي من أنه مستثنى من القاعدة ( قوله : والمد لا يقع التفاوت به ) في نسخة إسقاط لا ، والصواب ما في الأصل ، ويوجه بأن غرضه الرد على من اكتفى ببعض نحو الربع .

                                                                                                                            وحاصله أن ربع المد ونحو المد إذا نقص من الخمسة أوسق بكيلها أولا ثم أعيد الكيل فقد لا يظهر ذلك النقص لكونه لقلته لا يظهر في جملة الأوسق كما لو سقط من كل مد ثمرة فمجموع ذلك يزيد على المد ونقصان الواحدة من كل مد لا يظهر بها نقص فكان المبيع خمسة تامة ( قوله : وإن جفف ) أي ولو على الشجر كما يعلم مما يأتي في قوله ولو اشترى العرية إلخ ( قوله : بطلان العقد ) أي ثم إن كان التمر موجودا رده البائع وإلا رد مثله ( قوله : بما مر ) أي من تعدد البائع أو المشتري أو تفصيل الثمن ( قوله : كانت ) أي الصفقة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 158 ] . ( قوله : لأنها للشك ) يعني أو . ( قوله : لا يقع التفاوت به بين الكيلين غالبا ) أي فكأنه لا تفاوت فما في نسخة من زيادة لا قبل يقع خطأ وإن صوبها الشيخ في الحاشية ووجهها بما لا يوافقها ; إذ هو في الحقيقة توجيه لما صوبناه كما يعلم بمراجعته




                                                                                                                            الخدمات العلمية