الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض ) وقلنا بمنع الإجبار ( فإن ) ( أجر رأس الجدار للبناء ) عليه ( فهو إجارة ) كسائر الأعيان التي تستأجر للمنافع لكن لا يشترط فيها بيان المدة ; لأنه عقد يرد على المنفعة وتدعو الحاجة إلى دوامه فلم يشترط فيه التأقيت كالنكاح .

                                                                                                                            قال الزركشي : نعم لو كانت الدار وقفا عليه مثلا وأجره فلا بد من بيان المدة قطعا ، ذكره القاضي حسين واعتمده الزركشي لامتناع شائبة البيع فيه ( وإن قال بعته للبناء عليه أو بعت حق البناء عليه فالأصح أن هذا العقد فيه شوب بيع ) لكونه مؤبدا ( وإجارة ) ; لأن المستحق به منفعة فقط ; إذ لا يملك المشتري فيها عينا ، ولو كان إجارة محضة لاشترط تأقيتها أو بيعا محضا لملك رأس الجدار صاحب الجذوع .

                                                                                                                            والثاني : أنه إجارة محضة ، واغتفر فيها التأبيد للحاجة كسواد العراق ، ورد بأنها لا تنفسخ بتلف الجدار فإنه يعود حقه بإعادة الجدار وفاقا .

                                                                                                                            والثالث أنه بيع يملك به المشتري رأس الجدار ، هذا إذا لم يقدر مدة ، فإن قدر انعقد إجارة قطعا ، قاله شارح [ ص: 408 ] التعجيز ، وتجري الأوجه فيما لو عقدا بلفظ الصلح أيضا كما في الكفاية ، واحترز بقوله للبناء عليه عما إذا باعه وشرط عدم البناء عليه فيجوز قطعا ، وينتفع به فيما عدا البناء ، وكذا إن لم يتعرض للبناء في الأصح ، قاله الماوردي .

                                                                                                                            وشوب قال في الدقائق إنه الصواب ، وقول بعضهم : شائبة تصحيف ، واعترضه الإسنوي بأنه لا مدخل للتصحيف هنا وصوابه التحريف .

                                                                                                                            قال السبكي : ولا يظهر لي وجه التصحيف في ذلك ; إذ الشوب الخلط ويطلق على المخلوط به وهو المراد هنا ، والشائبة يشاب بها فكل منهما صواب ( فإذا بنى ) بعد قوله بعته للبناء أو بعت حق البناء عليه ( فليس لمالك الجدار نقضه ) أي نقض بناء المشتري ( بحال ) أي لا مجانا ولا مع إعطاء الأرش لاستحقاقه دوام البناء بعقد لازم ، نعم إناشترى مالك الجدار حق البناء من المشتري جاز الشراء كما صرح به المحاملي وأبو الطيب وحينئذ يتمكن من الخصلتين اللتين جوزناهما له لو أعار .

                                                                                                                            واستشكل الأذرعي ما قالاه من صحة هذا الشراء وسكت المصنف كالرافعي عن تمكين البائع من هدم الحائط نفسه ومن منع المشتري أن يبني إذا لم يكن قد بنى ، ولا شك كما قاله الإسنوي في عدم التمكين منهما ( ولو انهدم الجدار فأعاده مالكه ) باختياره ولا يلزمه ذلك في الجديد مطلقا سواء أهدمه المالك عدوانا أم أجنبي ( فللمشتري إعادة البناء ) بتلك الآلة أو بمثلها ; لأنه حق ثابت له ، وكما للمشتري إعادة البناء كذا له ابتداؤه إن لم يكن بنى ولو لم يبنه المالك فأراد صاحب الجذوع [ ص: 409 ] إعادته من ماله ليبني عليه .

                                                                                                                            قال الإسنوي : كان له ذلك كما صرح به جماعة ، وقال السبكي : إنه قضية كلام الأصحاب ، وفهم من كلام المصنف عدم الانفساخ بالانهدام ، وقضية تعليل الرافعي اختصاص ذلك بما إذا وقع العقد بلفظ البيع ونحوه ، فأما إذا أجر إجارة مؤقتة فيجري في انفساخها الخلاف في انهدام الدار المستأجرة هل يوجب الفسخ ومن هدم السفل من مالك أو غيره طولب بقيمة حق البناء على العلو للحيلولة سواء أبنى الأعلى أم لا مع غرم أرش النقص إن كان قد بنى وهو ما بين قيمته قائما ومهدوما ، فإن أعيد السفل استعيدت القيمة لزوال الحيلولة ، وله البناء إن لم يكن بنى ، وإعادته إن كان قد بنى ، ولا يغرم الهادم أجرة البناء لمدة الحيلولة .

                                                                                                                            قال الإمام : لأن الحق على التأبيد وما يتقدر لا ينحط مما لا يتناهى .

                                                                                                                            قال الإسنوي : وفي كلامه إشارة إلى الوجوب فيما إذا وقعت الإجارة على مدة ، والمتجه عدم الوجوب ; لأن وجوب الأجرة للحيلولة إنما محله عند قيام العين ولم يصرحوا بوجوب إعادة الجدار على مالكه ، وينبغي أن يقال : إن هدمه مالكه عدوانا فعليه إعادته ، وإن هدمه أجنبي أو مالكه ، وقد استهدم لم يجب لكن يثبت للمشتري الفسخ إن كان ذلك قبل التخلية ، وقد مر أن الأصح عدم وجوب إعادته مطلقا ( وسواء كان الإذن ) في وضع البناء ( بعوض أو غيره ) ومر أن هذا لغة صحيحة فلا اعتراض عليه ( يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه طولا وعرضا ، وسمك الجدران وكيفيتها ) أي كيفية الجدران أهي مجوفة أم منضدة وهي ما التصق بعضها إلى بعض من حجر أو غيره ( وكيفية السقف المحمول عليها ) هل هو من خشب أو أزج ، وهو العقد المسمى بالقبو ، وهل هو بالقصب أو بالجريد ; لأن الغرض يختلف بذلك ، ولا يشترط ذكر الوزن في الأصح ولو كانت الآلات حاضرة كفت مشاهدتها عن وصفها ( ولو أذن في البناء على أرضه كفى بيان قدر محل البناء ) عن موضعه وطوله وعرضه ; لأن الأرض تحمل كل شيء فلا يختلف الغرض إلا بقدر مكان البناء [ ص: 410 ] قال الأذرعي وغيره : وسكتوا عن حفر الأساس .

                                                                                                                            وينبغي اشتراط بيان قدره لاختلاف الغرض به ، فإن المالك قد يحفر سردابا أو غيره تحت البناء لينتفع بأرضه ، ويمنع من ذلك مزاحمة تعميق الأساس ، بل ينبغي أن لا يصح إيجار الأرض للبناء عليها ولا بيع البناء فيها إلا بعد حفر الأساس ليرى ما يؤجره أو يبيعه أو يبيع حقوقه .

                                                                                                                            اللهم إلا أن يكون وجه الأرض صخرة لا يحتاج أن يحفر للبناء أساس ، أو يكون البناء خفيفا لا يحتاج إلى أساس ، والبحث الأخير محله إذا أجره ليبني على الأساس لا فيما إذا أجره الأرض ليبني عليها وبين له موضع الأساس وطوله وعرضه وعمقه أخذا من كلام الشامل .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بيان المدة ) أي ولا بيان تقدير أجرة دفعه فيكفي أن يقول آجرتك كل شهر بكذا ، ويغتفر الغرر في الإجارة كما اغتفر في المعقود عليه ويصير كالخراج المضروب ، قاله شيخنا بر ا هـ سم على منهج . ومن ذلك الأحكار الموجودة بمصرنا فيغتفر الغرر فيها ( قوله : وقفا عليه مثلا ) كموصى له بمنفعتها ومستأجرة

                                                                                                                            ( قوله : فلا بد من بيان المدة ) أي وبعد انقضاء المدة يخير الآذن بين تبقيته بالأجرة والقلع مع غرامة أرش النقص إن أخرج من خالص ملكه أما إن كان ما يدفعه من غلة الوقف فلا يجوز بل يتعين التبقية بالأجرة ، وكذا لو انتقل الحق لمن بعد الآذن يتعين التبقية بالأجرة

                                                                                                                            ( قوله : انعقد إجارة ) ولا ينافيه قوله بعتك ; لأنه لما عقبه بقوله : لحق البناء عليه دل على أنه لم يرد به [ ص: 408 ] حقيقة البيع

                                                                                                                            ( قوله : بلفظ الصلح ) أي بشرطه من كونه على إقرار وسبق خصومة ولو لم تكن عند القاضي

                                                                                                                            ( قوله : فيجوز قطعا ) قضية قوله قطعا أن في جواز ما قبله خلافا ، والمفهوم من قوله فالأصح أن هذا العقد فيه شوب إلخ أنه صحيح قطعا ، وإنما الخلاف في كونه بيعا مشوبا بإجارة أو إجارة محضة أو بيعا محضا

                                                                                                                            ( قوله : إن لم يتعرض للبناء ) أي بأن باعه وأطلق وينتفع به فيما عدا البناء ، ولعل وجهه أنه لما كان البناء يحتاج لبيان صفته بالأمور الآتية لم تنزل حالة الإطلاق عليه ، وإلا فقد يقال مقتضى الإطلاق أن ينتفع برأس الجدار بسائر وجوه الانتفاع

                                                                                                                            ( قوله : قال السبكي ) خبر قوله : وقول

                                                                                                                            ( قوله : يشاب ) أي آلة يشاب إلخ

                                                                                                                            ( قوله : فكل منهما ) شوب وشائبة

                                                                                                                            ( قوله : مالك الجدار ) ومثل ذلك ما لو تقايلا فيما يظهر

                                                                                                                            ( قوله : حق البناء ) أي بعد البناء عليه دون الجذوع

                                                                                                                            ( قوله : وحينئذ يتمكن ) أي مالك الجدار

                                                                                                                            ( قوله : من الخصلتين ) وهما القلع وغرامة أرش النقص والتبقية بالأجرة

                                                                                                                            ( قوله : واستشكل الأذرعي ) لم يبين ما استشكل به

                                                                                                                            ( قوله : في عدم التمكين ) ظاهره وإن كان مستهدما ، وقياس ما مر في العارية جواز هدمه حينئذ إلا أن يفرق بقوة حق الباني هنا ببذل العوض وضعفه ثم لعدم ملكه للمنفعة ، لكن الأول أظهر ; لأن منعه من الهدم قد يؤدي إلى تلف ماله

                                                                                                                            ( قوله : ولا يلزمه ذلك ) أي الإعادة ( قوله سواء أهدمه ) بيان لمعنى الإطلاق

                                                                                                                            ( قوله : المالك ) ليس بقيد بل مثل الملك الموقوف ولو مسجدا في عدم لزوم إعادته إذا تعدى وهدمه فلا تلزمه الإعادة ، وإنما يلزمه التفاوت بين قيمته قائما ومهدوما فتنبه له

                                                                                                                            ( قوله : كان له ذلك ) أي ويكون [ ص: 409 ] الجدار ملكا له نقضه متى شاء كما يأتي في الجدار المشترك إذا أعاده أحدهما بآلة نفسه وله بيعه أيضا لمالك الأس ولغيره ، وقوله : إنه قضية كلام الأصحاب هو المعتمد ( قوله : اختصاص ذلك ) أي عدم الانفساخ ( قوله : هل يوجب الفسخ ) أي والراجح أنه يوجبه : أي فكذلك هنا وخرج ما لو لم يقدر مدة فلا ينفسخ بالانهدام وإن عقد بلفظ الإجارة نظرا لشوب البيع ، لكن قضية ما نقله عن الإسنوي في قوله الآتي قال الإسنوي وفي كلامه إشارة إلى إلخ عدم الانفساخ فيما إذا قدرت بمدة أيضا .

                                                                                                                            هذا وفيما فهمه الإسنوي من كلام الإمام من عدم الوجوب نظرا لجواز أن الإمام قائل بالانفساخ إذا قدرت بمدة

                                                                                                                            ( قوله : للحيلولة ) أي ويجوز له التصرف فيه حالا ، فإن أعيد السفل رد بدله

                                                                                                                            ( قوله : قائما ) أي مستحق الإبقاء

                                                                                                                            ( قوله : أجرة البناء ) أي لا يغرم أجرة ما مضى قبل إعادته

                                                                                                                            ( قوله : عدم الوجوب ) أي سواء كانت المدة معينة أم لا

                                                                                                                            ( قوله : وينبغي أن يقال ) نقله حج عن بحث شيخ الإسلام في شرح الروض

                                                                                                                            ( قوله : للمشتري الفسخ ) لعل المراد الانفساخ ، والكلام مفروض فيما إذا جرى بلفظ البيع ; لأنه الذي ينفسخ بالانهدام قبل القبض ، أما إذا وقع بلفظ الإجارة أو كان الانهدام بعد التخلية كان المراد بالفسخ حقيقته بمعنى أنه يثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والإجارة

                                                                                                                            ( قوله : وقد مر أن إلخ ) معتمد

                                                                                                                            ( قوله : مطلقا ) أي سواء كان الهادم المالك أو غيره ( قوله : عن وصفها ) أي في بيان صفة السقف المحمول عليه ، فرؤية الآلة إذا كانت خشبا تغني عن وصفه بكونه أزجا أو غيره .

                                                                                                                            ( قوله : ولو أذن في البناء على أرضه ) قال حج : بإجارة أو إعارة أو بيع ا هـ

                                                                                                                            ( قوله : وطوله وعرضه ) [ ص: 410 ] أي ولم يجب ذكر سمكه وكيفيته ا هـ محلي وحج .

                                                                                                                            وعليه فلو شرطا قدرا من السمك كعشرة أذرع مثلا فهل يصح العقد ويجب العمل بذلك الشرط أو يبطل العقد مطلقا أو يصح العقد ويلغو الشرط ؟ فيه نظر ، ولعل الأقرب الثاني ; لأنه شرط يخالف مقتضى العقد ، فإن مقتضى بيع الأرض أن يتصرف فيها المشتري بما أراد فشرط خلافه يبطله ، ويحتمل أن يقال بالأولى وهو مقتضى قول المحلي وحج ، ولم يجب ذكر سمكه أن المتبادر من نفي الوجوب جوازه ، ولا معنى لجواز ذكره إلا وجوب العمل به ، وعليه فلا نسلم أن ما ذكر بيع جزء من الأرض بل هذا إما إجارة أو بيع فيه شوب إجارة ، وأيا ما كان فليس المعقود عليه الأرض من حيث هي بل الأرض لبناء صفته كذا وكذا وكان مقتضاه أنه لا بد من ذكر السمك كما قيل به لكنهم اغتفروا عدم ذكره ، ولا يلزم منه اشتراط عدم العمل به لو ذكر ، ومع ذلك فالظاهر الأول

                                                                                                                            ( قوله : والبحث الأخير ) هو قوله بل ينبغي أن لا يصح إيجار الأرض .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : واعتمده الزركشي ) إنما لم يضمر لئلا يتوهم رجوع الضمير للقاضي . ( قوله : لامتناع شائبة البيع ) صريح في أن هذه الإجارة فيها شائبة بيع وإن اقتضت مقابلة المتن خلافه . ( قوله : ولو كان إجارة محضة لاشترط تأقيتها ) يرد عليه أنه في المسألة التي قبل هذه إجارة محضة ولم يشترط تأقيتها . ( قوله : انعقد إجارة قطعا ) اعلم أن ما اقتضاه كلام الشارح كالشهاب حج من الصحة بلفظ البيع غير مراد كما نبه عليه الشهاب سم ، وإلا لنافى ما قالوه من أن الإجارة لا تصح بلفظ البيع ، وعبارة شرح الروض : وإلا أي : وإن أقت بوقت فلا يتأبد ويتعين [ ص: 408 ] لفظ الإجارة انتهت . ( قوله : فيجوز قطعا ) أي كما أنه إذا باعه للبناء يصح قطعا الذي هو مسألة المتن إذ الخلاف فيه إنما هو في أنه ينعقد بيعا أو إجارة محضين أو بيعا فيه شوب إجارة ، وإنما قيد هنا بقوله قطعا لأجل حكاية الخلاف في الذي بعده ، فالحاصل أن المسألة لها ثلاثة أحوال : لأنه إما أن يبيع للبناء ، أو يشرط عدم البناء ، أو يسكت فيصح في الأوليين قطعا وفي الثالثة الخلاف الآتي ، فمفهوم قول المتن للبناء عليه فيه تفصيل من حيث الخلاف وعدمه كما عرفت ( قوله : وقول بعضهم ) من مقول الدقائق . ( قوله : قال السبكي : إلخ ) هو اعتراض ثان على [ ص: 409 ] الدقائق من جهة المعنى . ( قوله : فأما إذا أجر إجارة مؤقتة ) سكت عن غير المؤقتة ، والظاهر أنها من النحو المذكور في قوله بلفظ البيع ونحوه ، ثم رأيت حاشية الزيادي صريحة فيما ذكرته ( قوله : ولم يصرحوا إلخ ) هذا [ ص: 410 ] كلام شيخ الإسلام في شرح الروض ، وتعقبه الشهاب حج بأن كلام الدارمي مصرح به ( قوله : والبحث الأخير ) [ ص: 411 ] يعني قوله بل ينبغي إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية