الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم [ ص: 93 ] شرع في بيان القبض والرجوع في حقيقته إلى العرف فيه لعدم ما يضبطه شرعا أو لغة كالإحياء والحرز في السرقة وذلك إما غير منقول أو منقول ، وقد شرع في بيان الأول فقال ( وقبض العقار ) ونحوه كالأرض وما فيها من بناء ونخل وإن شرط قطعه وثمرة مبيعة قبل أوان الجذاذ كما قالاه وهو مثال لا قيد ، فإن بلغت أوان الجذاذ فالحكم كذلك كما أفاده الجلال البلقيني ، وشمل ذلك ما لو باعها بعد بدو صلاحها بشرط قطعها وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى ، ومثل الثمرة فيما ذكر زرع جاز بيعه في أرض فإقباض ذلك ( تخليته للمشتري وتمكينه من التصرف ) فيه بتسليم مفتاح الدار إن وجد وإن لم يتصرف فيه ولم يدخله كما هو واضح مع عدم مانع شرعي أو حسي فلا يعتد به إلا ( بشرط فراغه من أمتعة البائع ) وكذا أمتعة غير المشتري من مستأجر ومستعير وموصى له بالمنفعة وغاصب كما اعتمده الأذرعي وغيره مغلطا من أخذ بمفهوم الاقتصار على البائع عملا بالعرف لتأتي التفريغ هنا حالا ، وبه [ ص: 94 ] فارق قبض الأرض المزروعة بالتخلية مع بقاء الزرع ، واستثنى السبكي الحقير من الأمتعة كالحصير وبعض الماعون فلا يقدح في التحلية ، ولو جمعت الأمتعة في بيت من الدار وخلى بين المشتري وبينها حصل القبض فيما عداه ، فإن نقلت منه إلى بيت آخر منها حصل القبض في الجميع ، أما أمتعة المشتري فلا تضر ، وما قررنا به كلام المصنف في قوله تخليته للمشتري مأخوذ من كلام الشارح حيث قال لو أتى المصنف بالباء في التخلية كما في الروضة وأصلها والمحرر كان أقوم إلا أن يفسر القبض بالإقباض ا هـ أي لأن القبض فعل المشتري والتخلية فعل البائع فلولا التأويل المذكور لما صح الحمل ( فإن لم يحضر المتعاقدان المبيع ) الذي بيد المشتري أمانة كان أو ضمانا عقارا أو منقولا بأن غاب عن محل العقد بناء على الأصح أنه لا يشترط حضورهما عنده ( اعتبر ) في صحة قبضه إذن بائعة فيه حيث كان له حق الحبس و ( مضي زمن يمكن ) فيه ( المضي إليه ) في العادة مع تفريغه مما مر ( في الأصح ) لأن الحضور إنما اغتفر للمشقة ولا مشقة في اعتبار مضي ذلك .

                                                                                                                            والثاني لا يعتبر لأنه لا معنى لاعتباره مع عدم الحضور .

                                                                                                                            واعلم أن المبيع إما عقار أو منقول غائب بيد البائع فلا يكفي مضي زمن إمكان تفريغه ونقله ، بل لا بد من تخليته ونقله بالفعل حيث كان مشتغلا ، وأما مبيع حاضر منقول أو غيره ولا أمتعة فيه لغير المشتري [ ص: 95 ] وهو بيده فيعتبر في قبضه مضي زمن يمكن فيه النقل أو التخلية مع إذن البائع إن كان له حق الحبس ، وغير يد المشتري والبائع كيد المشتري كما ذكراه في الرهن ، والمعتمد خلافه وهو أن يد الأجنبي كيد البائع

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ثم شرع في بيان القبض ) أي المبيع كما يدل عليه السياق ، لكن ما ذكره فيه لا يختص به بل يجري في سائر صور القبض للموهوب والمؤجر وغيرهما ( قوله : والرجوع ) جملة معترضة ( قوله : إلى العرف ) ومتى وقع الخلاف في شيء أهو قبض أو لا كان ناشئا عن الخلاف في العرف فيه ، فمن عده قبضا ينسبه للعرف ، ومن نفى القبض فيه يقول العرف لا يعده قبضا حج بالمعنى ( قوله : ونحوه ) أي مما يعد تابعا له ( قوله : كالأرض ) مثال للعقار ( قوله من بناء ونخل ) أي سواء كان رطبا أو جافا وإن كان الجاف لا بقاء له لأنه لا يزيد على ما لو كان رطبا وبيع بشرط القطع ، وخرج بذلك الأشجار المقلوعة فلا بد فيها من النقل وإن كانت حية وأريد عودها كما كانت لأنها صارت منقولة ، وكتب أيضا قوله ونخل الأولى شجر كما عبر به الشيخ إلا أن يقال آثره للاقتصار عليه في كلام الجوهري تفسيرا للعقار ، وعبارة المختار العقار بالفتح مخففا الأرض والضياع والنخل ا هـ .

                                                                                                                            وعليه فقول الشيخ والشجر بيان للمراد من العقار في كلامهم ( قوله : وثمرة ) مثال لنحوه ( قوله : وشمل ذلك ) أي كون القبض بالتخلية ( قوله : بعد بدو صلاحها ) وكذا يشمل ما قبل بدو الصلاح وإن لم يصح بيعها إلا بشرط القطع فتكفي التخلية فيه ، لكن كلام الشارح قد يقتضي خلافه حيث قال : وشمل ذلك إلخ ، دون أن يقول : وشمل ذلك ما لو باعها بشرط القطع سواء كان بعد بدو الصلاح أو قبله ، إلا أن يقال : اقتصاره على ما ذكر لنقله عن إفتاء والده ( قوله : زرع ) أي بأن كان المقصود منه ظاهرا ( قوله : تخليته ) أي بلفظ يدل عليها كخليت بينك وبينه ( قوله : بتسليم مفتاح الدار ) أي إن كان مفتاح غلط مثبت بخلاف مفتاح القفل ( قوله : إن وجد ) نعم إن قال له البائع تسلمه واصنع له مفتاحا فينبغي أن يستغنى بذلك عن تسليم المفتاح ا هـ سم على منهج : أي ومع ذلك ينفسخ العقد في المفتاح بما يقابله من الثمن ويثبت للمشتري الخيار بتلفه في يد البائع وإن كانت قيمة المفتاح تافهة ( قوله : مع عدم مانع شرعي ) أي كشغل الدار بأمتعة غير المشتري ( قوله : أو حسي ) ككونها في يد غاصب ( قوله : على البائع ) ويمكن الجواب عن المصنف بقرينة سياقه تدل على أنه أراد بالبائع ما قابل المشتري فيدخل فيه جميع ما ذكر .

                                                                                                                            ( قوله : لتأتي التفريغ ) علة للعمل بالعرف ( قوله : حالا ) أي من شأن الأمتعة ذلك بخلاف الزرع ، وعليه فلو قل الزرع جدا بحيث يمكن [ ص: 94 ] التفريغ منه حالا لا يمنع وجوده من القبض ، ولو كثرت الأمتعة بحيث تعذر تفريغها حالا منعت القبض ( قوله : وبعض الماعون ) ولا فرق في ذلك بين الغني والفقير فيما يظهر ، أما صغير الجرم كبير القيمة كجوهرة فيمنع من صحة القبض في المحل الذي يعد حفظا له كخزانة مثلا كما شمله المستثنى منه ، ثم رأيت سم على حج شرح بذلك ( قوله : حصل القبض فيما عداه ) ظاهره وإن كانت الأمتعة في جانب من البيت وهو واضح إن أغلق عليها باب البيت وإلا فينبغي حصول القبض فيما عدا الموضع الحاوي للأمتعة عرفا ( قوله : أما أمتعة المشتري ) محترز قوله وكذا أمتعة غير المشتري إلخ ، والمراد بالمشتري من وقع له الشراء ، فبقاء أمتعة الوكيل والولي مانع من صحة القبض لأنها تمنع من دخول المبيع في يد من وقع له الشراء ( قوله : وما قررنا به كلام المصنف ) من قوله أي إقباض إلخ ( قوله فلولا التأويل المذكور ) هو قوله أي إقباض ذلك ( قوله : فإن لم يحضر المتعاقدان ) شمل ذلك ما لو لم يحضر واحد منهما أو حضر أحدهما دون الآخر ، كما لو كتب أحدهما بالبيع أو الشراء لغائب عند المبيع وهو ظاهر فيما لو غابا معا أو المشتري ، أما لو كان المشتري حاضرا عند المبيع وكتب له البائع بالبيع فقبل فيحتمل أنه لا يحتاج لمضي الزمن لحضوره عنده ، ولكن قضية إطلاقهم اعتبار مضي زمن إمكان حضور البائع فيجب العمل به حتى يوجد صارف عنه .

                                                                                                                            ( قوله : عن محل العقد ) أي مجلسه وإن كان بالبلد ( قوله : حضورهما ) أي العاقدين عنده : أي المبيع ( قوله : مما مر ) أي ومع نقل المنقول أيضا ا هـ منهج ( قوله : والثاني لا يعتبر ) وينبني على الخلاف صحة التصرف فيه وما لو تلف قبل إمكان الوصول فيصح ، ويدخل في ضمان المشتري على الثاني دون الأول ( قوله غائب ) قيد في كل من العقار [ ص: 95 ] والمنقول ( قوله وهو بيده ) أي حكما ، أما لو كان بيده حقيقة لم يشترط مضي زمن بل إذن البائع إن كان له حق الحبس وإلا فلا ا هـ منه .

                                                                                                                            ومثله في حاشية سم على منهج عنه ، ثم نقل عنه أنه قال بعد ذلك : ينبغي أنه لا بد من مضي زمن بعد العقد يمكن فيه تناوله ورفعه ا هـ .

                                                                                                                            أقول : وهذا هو قياس اعتبار مضي زمن يمكن فيه الوصول والنقل فيما لو كان غائبا وهو بيد المشتري فتأمله ( قوله : أو التخلية ) ليس المراد بها التخلية حقيقة بل تحمل على إمكان التفريغ منه ، وعبارة سم على حج قوله أو التخلية لعل المراد بها الاستيلاء ، وإلا فلا وجه لذكرها لأن العقار الخالي من أمتعة غير المشتري قبضه بالاستيلاء عليه مع الإذن إن كان للبائع حق الحبس ، ولا يعتبر فيه تفريغ إذ ليس فيه ما يعتبر تفريغه ، فإذا كان في يد المشتري لم يعتبر في قبضه وراء إذن البائع بشرطه غير مجرد مضي زمن يمكن فيه الوصول إليه والاستيلاء عليه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وذلك إما غير منقول إلخ ) الإشارة راجعة إلى المقبوض المفهوم من القبض . ( قوله : كالأرض وما فيها من بناء ونخل ) هذا هو حقيقة العقار كما في الصحاح وغيره فإدخال الكاف عليه إما للإشارة إلى أن مثل النخل بقية الشجر كما عبر به بعضهم أو أنها استقصائية . ( قوله : بعد بدو صلاحها ) وكذا قبله المفهوم بالأولى وإنما قيد بالبعدية ; لأنها هي الواقعة في السؤال الذي أجاب عنه والده . ( قوله : فإقباض ذلك ) عبارة التحفة : [ ص: 94 ] أي إقباض ذلك ، وما صنعه الشارح يلزم عليه أن يصير قول المصنف وقبض العقار بلا خبر . ( قوله : في قوله تخليته للمشتري ) صوابه في قوله وقبض العقار ; لأنه هو الذي قرره بقوله فإقباض ذلك على ما فيه ، أو أن المعنى : وما قررنا به كلام المصنف في صحة حمل قوله تخليته ( قوله : إلا أن نفسر القبض بالإقباض ) أي وإن كان خصوص الإقباض ليس شرطا إلا إذا كان للبائع حق الحبس ، فالتفسير المذكور لصحة الحمل ليس غير ( قوله : إذن بائعه فيه حيث كان له حق الحبس ) لا يخفى أن هذا معتبر مطلقا سواء فيه الحاضر والغائب ( قوله : واعلم أن المبيع ) يجب حذف هذه الثلاث كلمات والاقتصار على قوله أما عقار إلخ ، وقراءة أما بفتح الهمزة في الموضعين كما هو واضح كذلك في التحفة إذ هما مفهومان لما حمل عليه كلام المصنف . ( قوله : إذا كان مستقلا ) لعله احترز به عما إذا كان [ ص: 95 ] المنقول غير مستقل كالفوقاني من حجري الرحا أي : فلا يشترط نقله ( قوله : أو التخلية ) لعل المراد تقدير إمكان التخلية لو فرضناه بيد البائع وإلا فلا معنى لمضي إمكان التخلية مع أنه مخلي بالفعل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية