الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر حصر جاولي سقاوو الموصل وموت جكرمش

لما انهزم العسكر ، وأسر جكرمش ، وصل الخبر إلى الموصل ، فأقعدوا في الأمر زنكي بن جكرمش ، وهو صبي عمره إحدى عشرة سنة ، وخطبوا له ، وأحضروا أعيان البلد ، والتمسوا منهم المساعدة ، فأجابوا إلى ذلك .

وكان مستحفظ القلعة مملوكا لجكرمش اسمه غزغلي ، فقام في ذلك المقام المرضي ، وفرق الأموال التي جمعها جكرمش ، والخيول ، وغير ذلك على الجند ، وكاتب سيف الدولة صدقة ، وقلج أرسلان ، والبرسقي ، شحنة بغداذ ، بالمبادرة إليهم ، ومنع جاولي منهم ، ووعدوا كلا منهم أن يسلموا البلد إليه .

فأما صدقة فلم يجبهم إلى ذلك ، ورأى طاعة السلطان ، وأما البرسقي وقلج أرسلان فنذكر حالهما .

ثم إن جاولي حصر الموصل ، ومعه كرماوي بن خراسان التركماني ، وغيره من الأمراء ، وكثر جمعه ، وأمر أن يحمل جكرمش كل يوم على بغل وينادي أصحابه بالموصل ليسلموا البلد ويخلصوا صاحبهم مما هو فيه ، ويأمرهم هو بذلك ، فلا [ ص: 537 ] يسمعون منه ، وكان يسجنه في جب ، ويوكل به من يحفظه لئلا يسرق ، فأخرج في بعض الأيام ميتا ، وعمره نحو ستين سنة ، وكان شأنه قد علا ، ومنزلته قد عظمت ، وكان قد شيد سور الموصل وقواه ، وبنى عليها فصيلا ، وحفر خندقها ، وحصنها غاية ما يقدر عليه .

وكان مع جكرمش رجل من أعيان الموصل يقال له أبو طالب بن كسيرات ، وبنو كسيرات إلى الآن بالموصل من أعيان أهلها ، وكان أبو طالب قد تقدم عند جكرمش ، وارتفعت منزلته ، واستولى على أموره ، وحضر معه الحرب ، فلما أسر جكرمش هرب أبو طالب إلى إربل ، وكان أولاد أبي الهيجاء ، صاحب إربل ، قد حضروا الحرب مع جكرمش ، وأسرهم جاولي ، فأرسل إلى أبي الهيجاء يطلب ابن كسيرات ، فأطلقه وسيره إليه ، فأطلق جاولي ابن أبي الهيجاء ، فلما حضر ابن كسيرات عند جاولي ضمن له فتح الموصل وبلاد جكرمش ، وتحصيل الأموال ، فاعتقله اعتقالا جميلا .

وكان قاضي الموصل أبو القاسم بن ودعان عدوا لأبي طالب ، فأرسل إلى جاولي يقول له : إن قتلت أبا طالب سلمت الموصل إليك ، فقتله وأرسل رأسه إليه ، فأظهر الشماتة به ، وأخذ كثيرا من أمواله وودائعه ، فثار به الأتراك غضبا لأبي طالب ولتفرده بما أخذ من أمواله ، فقتلوه ، وكان بينهما شهر واحد ، وقد رأينا كثيرا ، وسمعنا ما لا نحصيه من قرب وفاة أحد المتعاديين بعد صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية