الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحل نعامة ) بالإجماع ( وكركي ) وكذا الحبارى والشقراق ( وبط ) قال الدميري : هو الإوز الذي لا يطير ( وإوز ) بكسر ففتح وقد تحذف همزته لكن فسر الجوهري وغيره الإوز بالبط . ويحل سائر طيور الماء إلا اللقلق ( ودجاج ) بفتح أوله أفصح من ضمه وكسره لطيبها ( وحمام ، وهو كل ما عب ) أي شرب الماء بلا تنفس ومص .

                                                                                                                            وفي القاموس : العب شرب الماء أو الجرع أو تتابعه ( وهدر ) أي صوت ، وهو ترجيع الصوت ومواصلته من غير تقطيع له وذكره تأكيد وإلا فهو لازم للأول . ومن ثم اقتصر في الروضة في موضع على عب ، ونظر بعضهم في دعوى ملازمتهما ودخل في كلامه القمري والدبسي واليمام والفواخت والقطا والحجل وهو على قدر الحمام كالقطا أحمر المنقار والرجلين ، ويسمى دجاج البر ( وما على شكل عصفور ) بضم أوله أفصح من فتحه ( وإن اختلف لونه ونوعه كعندليب ) وهو الهزار ( وصعوة ) بفتح الصاد وسكون العين المهملتين ، وهو عصفور أحمر الرأس ( وزرزور ) بضم أوله ونغر وبلبل وكذا الحمرة لأنها من الطيبات ( لا خطاف ) بضم الخاء وتشديد الطاء المسمى الآن بعصفور الجنة للنهي عن قتله في مرسل اعتضد بقول صحابي ، ويطلق على الخفاش عند اللغويين وهو طائر صغير لا ريش له . يشبه الفأر يطير بين المغرب والعشاء فقد جزما بتحريمه هنا .

                                                                                                                            ولا ينافيه جزمهما بلزوم القيمة فيه بقتل المحرم له فإن ذلك يستلزم حل أكله ويمنع بأنه لا تلازم بين ذلك وبين أكله ، إذ المتولد بين مأكول وغيره حرام مع وجوب الجزاء فيه فلعل الخفاش عندهما من هذا ( ونمل ونحل ) لصحة النهي عن قتلهما ، وحملوه على النمل السليماني ، وهو الكبير لانتفاء أذاه ، بخلاف الصغير فيحل قتله لكونه مؤذيا ، بل وحرقه إن تعين طريقا لدفعه كالقمل ( وذباب ) [ ص: 155 ] بضم أوله ( وحشرات ) وهي صغار دواب الأرض ( كخنفساء ) بضم أوله فتح ثالثه أشهر من ضمه وبالمد ، وحكي ضم ثالثه مع القصر لخبث لحم الجميع ( ودود ) منفرد على ما مر في الصيد والذبائح ووزغ بأنواعها وذات سموم وإبر وصرارة لاستخباثها ، نعم يحل منها نحو يربوع ووبر وأم حبين كما مر ، واستدلال الرافعي على تحريم الوزغ بالنهي عن قتلها سبق قلم ، فقد روى مسلم { أن من قتلها في أول ضربة كتب له مائة حسنة ، وفي الثانية دون ذلك ، وفي الثالثة دون ذلك } وفيه حض وأي حض على قتلها .

                                                                                                                            قيل لأنها كانت تنفخ النار على إبراهيم صلى الله عليه وسلم ( وكذا ) يحرم كل ( ما تولد ) يقينا ( من مأكول وغيره ) كسمع بكسر فسكون لتولده بين ذئب وضبع ، وخرج بقولنا يقينا ما لو نتجت شاة كلبة فإنها تحل كما قاله البغوي كالقاضي لأنه قد تقع الخلقة على خلاف صورة الأصل وإن كان الورع تركها ، وذهب جمع إلى أنه إن كان أشبه بالحلال خلقة حل وإلا فلا ، ويجوز شرب لبن فرس ولدت بغلا وشاة كلبا لأنه منها لا من الفحل ، ولو مسخ حيوان يحل إلى ما لا يحل أو عكسه فهل يعتبر ما قبل المسخ على ما قاله بعضهم عملا بالأصل أو ما تحول إليه كما يدل عليه ما في فتح الباري عن الطحاوي كل محتمل .

                                                                                                                            والأوجه اعتبار الممسوخ إليه إن بدلت ذاته بذات أخرى وإلا بأن لم تبدل إلا صفته فقط اعتبر ما قبل المسخ ، والأقرب اعتبار الأصل في الآدمي الممسوخ مطلقا كما يدل عليه الخبر الصحيح ، ولو قدم لولي مال مغصوب فقلب كرامة له دما ثم أعيد إلى صفته أو صفة غير صفته فالمتجه عدم حله لأنه بعوده إلى المالية عاد ملك مالكه فيه كما قالوه في جلد ميتة دبغ ، ولا ضمان على الولي بقلبه إلى الدم كما لا ضمان عليه إذا قتل بحاله ( وما لا نص فيه ) من كتاب ولا سنة خاص ولا عام بتحليل أو تحريم ولا بما يدل على أحدهما كالأمر بقتله أو النهي عنه ( إن استطابه أهل يسار وطباع سليمة من العرب ) الساكنين في البلاد والقرى دون أهل البوادي الذين يأكلون ما دب ودرج ( في حال رفاهية حل ) سواء ما ببلاد العرب والعجم فيما يظهر ( وإن استخبثوه فلا ) يحل لأنه تعالى أناط الحل بالطيب والحرمة بالخبيث ، ومحال عادة اجتماع العالم على ذلك لاختلاف طبائعهم فتعين أن المراد بعضهم ، والعرب أولى لأنهم الأفضل الأعدل طباعا والأكمل عقولا ، ومن ثم أرسل صلى الله عليه وسلم منهم ونزل القرآن بلغتهم وكلام أهل الجنة بها كما في حديث ، وفي آخر { من أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم [ ص: 156 ] فببغضي أبغضهم } لكن يرجع في كل عصر إلى أكمل الموجودين فيه وهم من جمعوا ما ذكر كما بحثه الرافعي ، ومحل ذلك في أمر مجهول .

                                                                                                                            أما ما سبق فيه كلام العرب قبلهم فقد صار معلوم الحكم فلا يلتفت لكلامهم فيه ، وما بحثه الزركشي من الاكتفاء بخبر عدلين منهم وأنه لو خالفهما آخران أخذ بالحظر لأنه الأحوط مفروض في هذا التصوير بخصوصه ، وإلا فقد صرحوا بأنه لو استطابه البعض واستخبثه البعض أخذ بالأكثر ، فإن استووا رجح قريش لأنهم أكمل العرب عملا وفتوة ، فإن اختلف القرشيون ولا مرجح أو شكوا أو سكتوا أو لم يوجدوا هم ولا غيرهم من العرب ألحق بالحيوان الأكثر به شبها ، فإن اختل شرط مما ذكر لم يعتد بهم لانتفاء الثقة بقولهم حينئذ ( وإن جهل اسم حيوان سئلوا ) عنه ( وعمل بتسميتهم ) حلا وحرمة ( وإن لم يكن له اسم عندهم اعتبر بالأشبه به ) من الحيوان صورة أو طبعا من عدو أو ضده أو طعما ، والمتجه تقديم الطبع لقوة دلالة الأخلاق على المعاني الكامنة في النفس فالطعم فالصورة ، فإن استوى الشبهان أو لم نجد له شبها حل لقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية ، ولا ينافي ذلك ما مر عن الزركشي من الحرمة لأن التعارض في الأخبار ثم أقوى منه هنا

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويحل سائر طيور الماء ) وهي الطيور التي تألف الماء غالبا ولا تغرق فيه ( قوله : إلا اللقلق ) اللقلاق بالفتح الصوت واللقلاق طائر نحو الإوزة طويل العنق يأكل الحيات واللقلق مقصور منه انتهى مصباح .

                                                                                                                            قال الشامي في سيرته في الباب الثالث فيما أكله صلى الله عليه وسلم من الحيوانات : روى الشيخان عن أبي موسى قال { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج } .

                                                                                                                            ورويا عن { أبي بكر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج } وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عمر قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل لحم دجاج حبسه ثلاثة أيام } ( قوله : إن تعين طريقا لدفعه ) أي بأن شق عدم الصبر على أذاه قبل قتله وتعذر قتله [ ص: 155 ] قوله : لأنها كانت تنفخ النار ) أي لأن أصلها الذي تولدت منه كان ينفخ إلخ فثبتت الخسة لهذا الجنس إكراما لإبراهيم ( قوله : ما لو نزا كلب على شاة ) وفي نسخة ما لو نتجت شاة كلبة فإنها تحل إلخ وفي حج ما يوافق هذه النسخة وهي الأقرب بل الصواب فإنه حيث علمنا بنزوان الكلب ثم أتت بحيوان حكم بتولده منهما فيحرم ، وكتب أيضا لطف الله به قوله ما لو نزا كلب : أي ولم نعلم بنزوان الكلب عليها أو علم لكن في وقت يعلم منه عادة أن ما ولدته ليس منه ( قوله : اعتبر ما قبل المسخ ) أي لكن يبقى النظر في معرفة ما تحول إليه أهو الذات أم الصفة ، فإن وجد ما يعلم به أحدهما فظاهر وإلا فينبغي اعتبار أصله لأنا لم نتحقق تبدل الذات فنحكم ببقائها وأن المتحول هو الصفة وقد عهد تحول الصفة في انخلاع الولي إلى صور كثيرة وعهد رؤية الجن والملك على غير صورتهما الأصلية مع القطع بأن ذاتهما لم تتحول وإنما تحولت الصفة ( قوله : فبحبي أحبهم ) أي بحبه لي فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله [ ص: 156 ] قوله : ومحل ذلك في أمر مجهول ) أي أمر حيوان مجهول ( قوله : أخذ بالحظر ) أي الحرمة ( قوله : أو لم يوجدوا ) أي في موضع يجب طلب الماء منه فيما يظهر ( قوله : من عدو ) وفي نسخة من غدر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 154 ] قوله الشقراق ) بفتح المعجمة وكسرها مع كسر القاف وتشديد الراء وبكسرها مع إسكان القاف وتخفيف الراء ويقال لها الشرقراق ، وهو طائر أخضر ملون على قدر الحمام ( قوله : الهزار ) هو بفتح الهاء ( قوله : ونغر ) بضم النون وفتح المعجمة عصفور صغير أحمر الأنف ( قوله : وكذا الحمرة ) هي بضم الحاء وتشديد الميم كما مر في الصيد والذبائح ( قوله : فإن ذلك يستلزم إلخ ) هو وجه المنافاة المنفية ( قوله : ويمنع بأنه ) الوجه حذف قوله ويمنع وإبدال الباء لاما ( قوله : إذ المتولد بين مأكول إلخ ) يتأمل في هذا الاستدلال ( قوله وحملوه على النمل السليماني ) [ ص: 155 ] يقال عليه فيحتاج إلى دليل لحرمة أكل الصغير ( قوله وإبر ) هو بكسر الهمزة ( قوله : فالمتجه عدم حله ) أي لغير مالكه كما لا يخفى ( قوله الساكنين في البلاد والقرى ) لعله صفة كاشفة بدليل ما بعده ، كما أن قوله الذين يأكلون إلخ ينبغي أن يكون صفة كاشفة أيضا لما قبله فتأمل ( قوله : سواء ما ببلاد العرب إلخ ) أي فإنه يرجع إلى العرب في جميع ذلك ، أي خلافا لمن ذهب إلى أنهم لا يرجع إليهم فيما ببلاد العجم [ ص: 156 ] قوله وهم ) أي الأكمل ( قوله : كما بحثه الرافعي ) أي خلافا لمن قال إنه لا يرجع إلا لمن كان في الصدر الأول ( قوله : أو لم يوجدوا هم ولا غيرهم ) سكت عما إذا فقدوا ووجد غيرهم ( قوله : فإن اختل شرط مما ذكر ) أي في المتن ( قوله : حلا وحرمة ) تمييزان لعمل لا لتسميتهم كما لا يخفى .




                                                                                                                            الخدمات العلمية