الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( أو لا مال له ) وأطلق أو عمم ( حنث بكل نوع ) من أنواع المال له ( وإن قل ) إذا كان متمولا كما قاله البلقيني والأذرعي ( حتى ثوب بدنه ) لصدق اسم المال به ، نعم لا يحنث بملكه لمنفعة لانتفاء تسميتها مالا حالة الإطلاق ( ومدبر ) له لا لمورثه إذا تأخر عتقه خلافا لبعضهم ( ومعلق عتقه بصفة ) وأم ولد ( وما أوصي ) له ( به ) لأن الكل ملكه ( ودين حال ) ولو على معسر وجاحد بلا بينة .

                                                                                                                            قال البلقيني : إلا إن مات لأنه صار في حكم العدم ، وفيه نظر لاحتمال تبرع آخر بوفائه عنه أو يظهر له بعد بنحو فسخ بيع وبفرض عدمه هو باق له من حيث أخذه بدله من حسنات المدين فالمتجه إطلاقهم ، وكونه لا يسمى مالا الآن ممنوع ( وكذا مؤجل في الأصح ) لثبوته في الذمة وصحة الاعتياض والإبراء عنه ولوجوب الزكاة فيه ، وأخذ البلقيني من ذلك عدم حنثه بماله على مكاتبه لأنه ليس بثابت في الذمة بدليل عدم صحة الاعتياض عنه ، والمكاتب متمكن من إسقاطه متى شاء ، ولا يجب فيه زكاة .

                                                                                                                            وجزم الشيخ به في شرح منهجه مردود إذ لم يخرج عن كونه مالا ، ولا أثر هنا لتعرضه للسقوط ولا لعدم وجوب زكاته وعدم الاعتياض هنا لأنه لمانع آخر لا لانتفاء كون ذلك مالا .

                                                                                                                            والثاني المنع لأن المالية صفة لموجود ولا موجود ههنا ، ( لا مكاتب ) كتابة صحيحة ( في الأصح ) لأنه كالخارج عن ملكه ، إذ لا يملك منافعه ولا أرش جناية عليه ، ولذا لم يعد هنا مالا وإن عدوه في الغصب ونحوه مالا وبه يعلم أنه لا أثر لتعجيزه بعد اليمين .

                                                                                                                            والثاني يحنث لأنه قن ما بقي عليه درهم ، ولا يحنث أيضا بزوجته واختصاص ، [ ص: 210 ] وفي مال غائب وضال ومغصوب وانقطع خبره وجهان : أصحهما حنثه بذلك لثبوته في الذمة ، ولا نظر لعدم تمكنه من أخذه ، وقد جزم به في الأنوار

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 209 ] قوله : أو لا مال له ) وينبغي أن مثل ذلك ما لو حلف أنه ليس له دين فيحنث بكل ما ذكر ، ثم فرضهم الكلام فيما لو حلف لا مال له يخرج ما لو حلف أنه ليس عنده مال أو ليس بيده ، وقد يقال فيه : إنه لا يحنث بدينه على غيره وإن كان حالا وسهل استيفاؤه من المدين ولا بماله الغائب وإن لم ينقطع خبره لأنه ليس بيده الآن ولا عنده ( قوله نعم لا يحنث بملكه لمنفعة ) أي وإن جرت عادته باستغلالها بإيجار أو نحوه حيث لم يكن له منها مال متحصل بالفعل وقت الحلف .

                                                                                                                            ومثل المنفعة الوظائف والجامكية فلا يحنث بها من حلف لا مال له وإن كان أهلا لها لانتفاء تسميتها مالا ( قوله : لا لمورثه ) كذا في حج ، وفي نسخة : أو لمورثه إذا تأخر عتقه خلافا لبعضهم انتهى .

                                                                                                                            وما في الأصل أظهر لأنه إذا كان التدبير من مورثه يصدق على الوارث أنه لا مال له ( قوله : وما أوصى به ) أي لغيره ( قوله : فالمتجه إطلاقهم ) أي وهو الحنث بالدين ولو على ميت معسر ( قوله : بدليل عدم صحة الاعتياض ) قضية هذا أن الكلام في نجوم الكتابة وأنه يحنث بغيرها مما له على مكاتبه من الدين قطعا ( قوله : مردود ) أي خلافا لحج ( قوله : أنه لا أثر لتعجيزه ) [ ص: 210 ] أي فلا حنث لأنه لم يكن ماله حال الحلف . [ فرع ]

                                                                                                                            وقع السؤال في الدرس عما لو حلف ليضربنه علقة فهل العبرة بحال الحالف أو المحلوف عليه أو بالعرف ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            والجواب عنه أن الظاهر الثالث لأن الأيمان مبناها على العرف . ( قوله : لثبوته في الذمة ) أي ذمة من هو تحت يده ، لكن هذا التعليل لا يظهر في الغائب والضال لاحتمال تلفهما قبل دخولهما تحت يد أحد ، بل ولا في المغصوب لاحتمال بقائه ، والأعيان لا تثبت في الذمة ، لكن هذا إنما ينافي قوله لثبوته في الذمة دون الحنث به .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 209 ] ( قوله : إذا كان متمولا ) في بعض النسخ : وإن لم يتمول ، وهو موافق لما في التحفة ، فالظاهر أن الشارح رجع عنه كما يقع نظير ذلك له كثيرا .

                                                                                                                            ( قوله : وأطلق أو عمم ) الظاهر أن المراد أطلق قوله لا مال لي بأن لم يزد عليها شيئا ، أو عمم بأن زاد عليها ألفاظا هي نص في العموم ، وإلا فقوله لا مال لي صيغة عموم ( قوله : إذا تأخر عتقه ) أي بأن كان معلقا على صفة بعد الموت ، ومراده بهذا تصوير كونه مدبرا لمورثه فلا يقال إنه بموت مورثه عتق فلا وجه للحنث به ( قوله : وما وصى ) هو بالبناء للفاعل بدليل قول الجلال كغيره عقب قوله به : أي والمال الذي أوصى هو به لغيره ، وحينئذ فزيادة الشارح لفظ له عقب وصى غير سديدة إذ تقتضي قراءة وصي بالبناء للمفعول ( قوله : لاحتمال تبرع آخر إلخ ) هذا في المعسر خاصة كما لا يخفى ، وكذا قوله أو يظهر له بعد إلخ ( قوله : بما له على مكاتبه ) يعني مال الكتابة بدليل ما بعده ( قوله : لأنه ليس بثابت في الذمة ) يعني ليس مستقر الثبوت إذ هو معرض للسقوط وإلا فهو ثابت كما لا يخفى [ ص: 210 ] قوله : وانقطع خبره ) ينبغي تقديمه على قوله ومغصوب




                                                                                                                            الخدمات العلمية