الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
( قول إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى ) :

ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في جوابات المسائل التي سئل عنها بمكة فقال : الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وعلى كل حال وصلى الله على محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل ، سألت أيدك الله تعالى بتوفيقه بيان ما صح لدي وتأدى حقيقته إلى من مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والسنة المنقولة بالطرق الصحيحة برواية الثقات الأثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجيز [ ص: 171 ] من القول واختصار في الجواب فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجبت عنه بجواب بعض الأئمة الفقهاء ، وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج رحمه الله تعالى وقد سئل عن مثل هذا السؤال فقال : أقول وبالله التوفيق ، حرام على العقول أن تمثل الله سبحانه وتعالى ، وعلى الأوهام أن تحده ، وعلى الظنون أن تقطع ، وعلى الضمائر أن تعمق ، وعلى النفوس أن تفكر ، وعلى الأفكار أن تحيط وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد صح وتقرر واتضح عند جميع أهل الديانة والسنة والجماعة من السلف الماضين والصحابة والتابعين من الأئمة المهتدين الراشدين المشهورين إلى زماننا هذا : أن جميع الآي الواردة عن الله تعالى في ذاته وصفاته والأخبار الصادقة ( الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته ) التي صححها أهل النقل وقبلها النقاد الأثبات . يجب على المرء المسلم المؤمن الموقن الإيمان بكل واحد منه ، كما ورد وتسليم أمره إلى الله سبحانه وتعالى كما أمر وذلك مثل قوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) وقوله تعالى : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) وقوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) وقوله تعالى ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) ونظائرها مما نطق به القرآن كالفوقية والنفس واليدين والسمع والبصر والكلام والعين والنظر والإرادة والرضى والغضب والمحبة والكراهة والعناية والقرب والبعد والسخط والاستحياء والدنو كقاب قوسين أو أدنى وصعود الكلام الطيب " إليه " وعروج الملائكة والروح إليه ونزول القرآن منه وندائه الأنبياء عليهم الصلاة السلام وقوله للملائكة وقبضه وبسطه وعلمه ووحدانيته وقدرته ومشيئته وصمديته وفردانيته وأوليته وآخريته وظاهريته وباطنيته وحياته وبقائه وأزليته وأبديته ونوره وتجليه والوجه وخلق آدم عليه السلام بيده ، ونحو قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) وقوله تعالى : [ ص: 172 ] ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) وسماعه من غيره ، وسماع غيره منه وغير ذلك من صفاته المتعلقة به المذكورة في كتابه المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم وجميع ما لفظ به المصطفى صلى الله عليه وسلم من صفاته كغرسه جنة الفردوس بيده وشجرة طوبى بيده وخط التوراة بيده والضحك والتعجب ووضعه القدم على النار فتقول : قط قط ، وذكر الأصابع ، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا وليلة الجمعة وليلة النصف من شعبان وليلة القدر ، وكغيرته وفرحه بتوبة العبد واحتجابه بالنور وبرداء الكبرياء وأنه ليس بأعور ، وأنه يعرض عما يكره ولا ينظر إليه ، وأن كلتا يديه يمين واختيار آدم قبضتة اليمنى وحديث القبضة وله كل يوم كذا وكذا نظرة في اللوح المحفوظ وأنه يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات . . . فيدخلهم الجنة ولما خلق آدم عليه الصلاة والسلام مسح ظهره بيمينه فقبض قبضة فقال : هذه للجنة ولا أبالي أصحاب اليمين ، وقبض قبضة أخرى وقال : هذه للنار ولا أبالي أصحاب الشمال ثم ردهم في صلب آدم ، وحديث القبضة التي يخرج بها من النار قوما لم يعملوا خيرا قط عادوا حمما فيلقون في نهر من الجنة يقال له : ( نهر ) الحياة ، وحديث خلق آدم على صورته وقوله : لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق [ ص: 173 ] صورة الرحمن ، وإثبات الكلام بالحرف والصوت وباللغات وبالكلمات وبالسور وكلامه تعالى لجبريل والملائكة ولملك الأرحام وللرحم ولملك الموت ولرضوان ولمالك ولآدم ولموسى ولمحمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمن عند الحساب ، وفي الجنة ونزول القرآن إلى سماء الدنيا وكون القرآن في المصاحف وما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن وقوله : لله أشد أذنا لقاريء القرآن من صاحب القينة إلى قينته وأن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ، وفرغ الله من الرزق ، والأجل . وحديث ذبح الموت ومباهات الله تعالى وصعود الأقوال والأعمال والأرواح إليه . وحديث معراج الرسول صلى الله عليه وسلم ببدنه ونفسه ونظره إلى الجنة والنار ، وبلوغه إلى العرش إلى أن لم يكن بينه وبين الله تعالى إلا حجاب العزة وعرض الأنبياء عليه ، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ، وعرض أعمال الأمة عليه وغير هذا مما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الأخبار المتشابهة الواردة في صفات الله سبحانه ما بلغنا وما لم يبلغنا مما صح عنه اعتقادنا فيه ، وفي الآيات المتشابهة في القرآن أن نقبلها ولا نردها ولا نتأولها بتأويل المخالفين ولا نحملها على تشبيه المشبهين ولا نزيد عليها ولا ننقص منها ولا نفسرها ، ولا نكفيها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية ، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسر ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة ونجمع على ما أجمعوا عليه ، ونمسك عن ما أمسكوا عنه ، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهر تنزيلها لا نقول [ ص: 174 ] بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والكيفية بل نقبلها بلا تأويل ، ونؤمن بها بلا تمثيل ، ونقول : الإيمان بها واجب والقول بها سنة وابتغاء تأويلها بدعة . آخر كلام أبي العباس بن سريج الذي حكاه أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني في أجوبته ثم ذكر باقي المسائل وأجوبتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية