الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
( قول الإمام حافظ ( أهل ) المشرق وشيخ الأئمة عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله ) :

قال فيه أبو الفضل بن الفرات " ما رأيت مثل عثمان بن سعيد ولا رأى عثمان مثل نفسه ، أخذ الأدب عن ابن الأعرابي ، والفقه عن البويطي ، والحديث عن يحيى بن معين وعلي بن المديني ، وأثنى عليه أهل العلم ، صاحب كتاب الرد على الجهمية والنقض على بشر المريسي ، قال في كتابه " النقض على بشر " : وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سماواته وأنه لا ينزل قبل يوم القيامة إلى الأرض . . . ولم يشكوا أنه ينزل يوم القيامة ليفصل بين عباده ويحاسبهم ويثيبهم وتشقق السماوات يومئذ لنزوله وتنزل الملائكة تنزيلا ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية كما قال الله ( به ) سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلما لم يشك المسلمون أن الله لا ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة لشيء من أمور الدنيا علموا يقينا أن ما يأتي الناس من العقوبات إنما هو من أمره وعذابه فقوله : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) إنما هو أمره وعذابه ، وقال في موضع آخر من هذا الكتاب وقد ذكر [ ص: 229 ] الحلول : ويحك ، هذا المذهب أنزه لله تعالى من السوء أم مذهب من يقول هو بكماله وجماله وعظمته وبهائه فوق عرشه ، فوق سماواته ، وفوق جميع الخلائق في أعلى مكان وأظهر مكان حيث لا خلق هناك ( من ) إنس ولا جان . . . فأي الحزبين أعلم بالله وبمكانه وأشد تعظيما وإجلالا له .

وقال في هذا الكتاب علمه بهم من فوق عرشه محيط ، وبصره فيهم نافذ ، وهو بكماله فوق عرشه والسماوات ، ومسافة ما بينهن وبينه وبين خلقه في الأرض ، فهو كذلك معهم رابعهم وخامسهم وسادسهم . . . وإنما يعرف فضل الربوبية وعظم القدرة بأن الله من فوق عرشه ومع بعد المسافة بينه وبين الأرض يعلم ما في الأرض ، وقال في موضع آخر من الكتاب : والقرآن كلام الله وصفة من صفاته خرج منه كما شاء أن يخرج والله بكلامه وعلمه وقدرته وسلطانه وجميع صفاته غير مخلوق ، وهو بكماله على عرشه ، وقال في موضع آخر وقد ذكر حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل في شأن الروح وقبضها ونعيمها وعذابها ، وفيه فيصعد بروحه حتى ينتهى بها إلى سماء الدنيا فيستفتح لها ، - إلى أن قال - حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة وأعيدوه إلى الأرض - وذكر الحديث - ثم قال : وفي قوله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) دلالة ظاهرة أن الله تعالى فوق السماء لأنه لو لم يكن فوق السماء لما [ ص: 230 ] عرج بالأرواح والأعمال إلى السماء ولما غلقت أبواب السماء عن قوم وفتحت لآخرين . وقال في موضع آخر وقد بلغنا أن حملة العرش حين حملوا العرش وفوقه الجبار جل جلاله في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته ثم ساق بإسناده عن معاوية بن صالح : أول ما خلق الله حين كان عرشه على الماء حملة العرش فقالوا : ربنا لم خلقتنا ؟ فقال : خلقتكم لحمل عرشي فقالوا : ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه جلالك ، وعظمتك ووقارك ؟ فقال لهم : إني خلقتكم لذلك ، قال : فيقولون ذلك مرارا ، قال : فقال لهم : قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله ) . وقال في موضع آخر : ولكنا نقول رب عظيم وملك كبير نور السماوات والأرض وإله السماوات والأرض على عرش عظيم ( مخلوق ) فوق السماء السابعة دون ما سواها من الأماكن ، من لم يعرفه بذلك كان كافرا به وبعرشه .

وقال في موضع آخر في حديث الحصين كم تعبد ؟ فلم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحصين إذ عرف أن إله العالمين في السماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحصين رضي الله عنه قبل إسلامه كان أعلم بالله الجليل من المريسي وأصحابه مع ما ينتحلون من الإسلام إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض ، قال : وقد اتفقت الكلمة بين المسلمين والكافرين أن الله سبحانه في السماء وعرفوه بذلك إلا المريسي وأصحابه ، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث . وقال في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة أين الله ؟ تكذيب لمن يقول هو في كل مكان وأن الله لا يوصف بأين ; لأن شيئا لا [ ص: 231 ] يخلو منه مكان يستحيل أن يقال أين هو ؟ فالله فوق سماواته بائن من خلقه فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف الإله الذي يعبده ، وكتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها ، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ( ما كان ) عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدا ، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية