الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) أي الأمور التي يجب الإيمان بها وأنها حق لا ترد عذاب القبر قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه " شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور " وقد ذكر الله عذاب القبر في القرآن في عدة أماكن كما بينته في الإكليل في أسرار التنزيل . انتهى .

قال الحافظ ابن رجب في كتابه أهوال القبور في قوله تعالى : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم - إلى قوله - إن هذا لهو حق اليقين ) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات فقال : " إذا كان عند الموت قيل له هذا ، فإن كان من أصحاب اليمين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن كان من أصحاب الشمال كره لقاء الله وكره الله لقاءه " .

وأخرج الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " فأكب القوم يبكون قال " ما يبكيكم ؟ " قالوا إنا نكره الموت قال ليس ذلك ولكنه إذا حضر فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ، فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب ، وأما إن كان من المكذبين فنزل من حميم وتصلية جحيم ، فإذا بشر بذلك كره لقاء الله والله للقائه أكره " . وقال الإمام المحقق ابن القيم في كتاب الروح قول السائل ما الحكمة في أن عذاب القبر لم يذكر في القرآن صريحا مع شدة الحاجة إلى معرفته والإيمان به ليحذره الناس ويتقى ؟ فأجاب عن ذلك بوجهين مجمل ومفصل أما المجمل فإن الله تعالى أنزل على رسوله وحيين فأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما وهما الكتاب والحكمة قال تعالى وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وقال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم - إلى قوله - ويعلمهم الكتاب والحكمة وقال تعالى واذكرن ما يتلى في بيوتكن الآية والحكمة هي السنة باتفاق السلف ، وما أخبر به [ ص: 13 ] الرسول عن الله فهو في وجوب تصديقه والإيمان به كما أخبر به الرب على لسان رسوله ، فهذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام لا ينكره إلا من ليس منهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني أوتيت الكتاب ومثله معه " . قال المحقق : وأما الجواب المفصل فهو أن نعيم البرزخ وعذابه مذكور في القرآن في مواضع ( منها ) قوله تعالى ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت الآية وهذا خطاب لهم عند الموت قطعا وقد أخبرت الملائكة وهم الصادقون أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ، ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم اليوم تجزون عذاب الهون ، وقوله تعالى فوقاه الله سيئات ما مكروا - إلى قوله - يعرضون عليها غدوا وعشيا الآية فذكر عذاب الدارين صريحا لا يحتمل غيره . ومنها قوله تعالى فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون انتهى كلامه .

وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر " وأخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر . وقال ابن مسعود : إذا مات الكافر أجلس في قبره فيقال له من ربك وما دينك فيقول لا أدري فيضيق عليه قبره - ثم قرأ ابن مسعود " فإن له معيشة ضنكا " قال المعيشة الضنك هي عذاب القبر .

وقال البراء بن عازب رضي الله عنهما في قوله تعالى " عذابا دون ذلك " قال عذاب القبر . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ( قال عذاب القبر ) .

وكذا قال قتادة والربيع بن أنس في قوله تعالى " سنعذبهم مرتين " : إحداهما في الدنيا والأخرى عذاب القبر .

قال الحافظ ابن رجب وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أنها قالت : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر قال : " نعم عذاب القبر حق " .

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلمهم [ ص: 14 ] هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن : " اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال " .

وأخرج مسلم أيضا وابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت فكادت أن تلقيه ، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال " من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ " فقال رجل أنا فقال " متى مات هؤلاء ؟ " فقال ماتوا في الإشراك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " . ثم أقبل علينا بوجهه فقال : " تعوذوا بالله من عذاب القبر " الحديث .

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل القبور يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم .

وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والآجري ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه رواه أبو يعلى والآجري ( وابن منده ) . وعن أنس رضي الله عنه رواه مسلم ، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه رواه ابن ماجه .

وفيه أيضا عن ابن عمر وعبد الرحمن بن أبي حسنة وأبي أمامة وميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلى بن سيابة ويعلى بن مرة وأم بشير وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية