الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى : واعلم أن فضيلة هذه الأمة على الأمم المتقدمة ، وإن كان ذلك باختيار الحق لها وتقديمه إياها ، إلا أنه سبحانه جعل لذلك سببا كما جعل سبب سجود الملائكة لآدم عليه السلام علمه بما جهلوه ، فكذلك جعل لتقديم هذه الأمة سببا هو الفطنة والفهم واليقين وتسليم النفوس ، فاعتبر حالهم بمن قبلهم ، فإن قوم موسى رأوا قدرة الخالق في شق البحر ، ثم قالوا : اجعل لنا إلها ، ثم مال كثير منهم إلى عبادة العجل ، وعرضت لهم غزاة فقالوا : اذهب أنت وربك فقاتلا ، ولم يقبلوا التوراة حتى نتق عليهم الجبل ، ولما اختار موسى سبعين منهم وقع في نفوسهم ما أوجب تزلزل الجبل بهم ، ولهذا لما صعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - على جبل حراء في جماعة من أصحابه تزلزل ، فقال : اسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد .

فكأنه أشار إلى أنه ليس عليك من يشك كقوم موسى . ومن تأمل حال بني إسرائيل رآهم قد أمروا بقول حطة ، فقالوا : حنطة ، وقيل لهم : ادخلوا الباب سجدا ، فدخلوا زحفا ، وآذوا نبيهم فقالوا : آدر . ومن مذهبهم التشبيه والتجسيم ، وهذا من أعظم التغفيل ، لأن الجسم مؤلف ، ولا بد للمؤلف من مؤلف . ومن غفلة النصارى اعتقادهم أن الله تعالى جوهر ، والجواهر تتماثل ، ولا مثل للخالق ، ثم مقالاتهم في عيسى وتثليثهم ، ودعواهم فيه الإلهية وأنه ابن الله تعالى تقشعر منه الأبدان ، وتنفر منه النفوس ، وتحيله العقول ، وليس للقوم فهوم ، ولهذا قال بعض فضلاء أمتنا : إنهم عار على بني آدم من بين سائر الأمم .

هذا ، وقد علم يقين هذه الأمة ، وبذلهم أنفسهم في الحروب وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 277 ] وحفظهم لكتاب الله ، فلهذا ونظائره كانوا يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله تعالى ، وكل هذا إنما هو بسبب كرامة نبينا على الله ، وجزيل فضله عند الله ، وقربه من الله ، والحمد لله على ما أنعم وفضل وكرم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية