الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تنبيهات

( الأول ) قد علمت أن هنا ثلاث صور : ( الأولى ) التفضيل بين الأنبياء والملائكة ، وفي هذه ثلاثة أقوال : ( أحدها ) الأنبياء أفضل وعليه جمهور أهل الحق من أهل السنة وهو الصواب . ( الثاني ) الملائكة أفضل وهو قول المعتزلة ، واختاره من الأشاعرة أبو إسحاق الإسفرايني ، وأبو بكر الباقلاني ، والحاكم ، والحليمي ، وفخر الدين في المعالم وأبو شامة ، واختار فخر الدين الأول في الأربعين وفي المحصل . ( الثالث ) الوقف عن القول بالتفضيل لأحد النوعين عن الآخر ، ومحل الخلاف على هذا القول في غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أما هو فأفضل الخلق بلا خلاف لا يفضل عليه ملك مقرب ولا غيره كما ذكره غير واحد ممن حكى الخلاف كالسيوطي في الحبائك ، والتاج السبكي في منع الموانع ، والسراج البلقيني في منهج الأصلين ، وبدر الدين الزركشي ، ونقل فخر الدين الرازي الإجماع على ذلك وكأنه أراد إجماع أهل السنة .

( الصورة الثانية ) التفاضل بين خواص الملائكة وأولياء البشر ، وهم من عدا الأنبياء ، وهذه الصورة زعم بعضهم نفي الخلاف بأن خواص الملائكة أفضل ، ونقل السعد التفتازاني في شرح عقائد النسفي الإجماع على أن خواص الملائكة أفضل من أولياء البشر بعد الرسل والأنبياء ، وهذا مردود ومدخول ، فقد قدمنا أن معتمد القول عند علمائنا ومن وافقهم أن الأولياء أفضل من خواص الملائكة ، نعم ابن عقيل خالفهم في ذلك فقال : خواص الملائكة من جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ملك الموت أفضل من الأولياء ، وقال : في القول بخلاف هذا شناعة عظيمة على قائله . كذا قال مع أنه هو نفسه صرح بأن الأنبياء والأولياء أفضل من الملائكة وصحح ذلك .

( الصورة الثالثة ) التفضيل بين أولياء البشر وغير الخواص من الملائكة [ ص: 401 ] وفي هذا قولان : ( أحدهما ) تفضيل جميع الملائكة على أولياء البشر ، وجزم به ابن السبكي في جمع الجوامع ، وذكر البلقيني في منهجه أنه قول أكثر العلماء ، والثاني تفضيل أولياء البشر على الملائكة ، وجزم به الصفار من الحنفية وهو المختار عندهم ، ومال البلقيني إلى بعضه ، وهو أنه قد يوجد من أولياء البشر من هو أفضل من غير الخواص من الملائكة ، وقال قوم من أهل السنة : إن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة ، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة ، وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى مفضلون على سكان الأرض ، وفصل جماعة من محققي الماتريدية ومن وافقهم فقالوا : رسل البشر كموسى - عليه الصلاة والسلام - أفضل من رسل الملائكة كجبريل - عليه السلام - ، ورسل الملائكة كإسرافيل - عليه السلام - أفضل من عامة البشر وهم أولياؤهم غير الأنبياء كأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ، وعامة البشر كأوليائهم غير الأنبياء أفضل من عامة الملائكة وهم غير الرسل منهم كحملة العرش والكروبيين .

وهذا نحو ما حكينا عن ابن عقيل ، واحتج أهل التفضيل بالإجماع ، وقد علمت أنه مدخول بل ادعوا فيه الضرورة ، واحتجوا على تفضيل رسل البشر على رسل الملائكة وعامة البشر على عامة الملائكة بوجوه سنذكرها ، ونقل البلقيني في منهج الأصلين أن المختار عند الحنفية أن خواص البشر وهم الرسل أفضل من جملة الملائكة ، والملائكة الخواص أفضل من الأنبياء غير المرسلين ، والأنبياء أفضل من غير الخواص من الملائكة ، قال : ومنهم من وقف في التفضيل بين صالحي البشر والملائكة .

كذا قال والحق المعتمد عندهم أن خواص البشر كالأنبياء أفضل من خواص الملائكة كرسلهم ، وخواص الملائكة كرسلهم أفضل من عوام البشر كالأولياء ، وعوام البشر أفضل من عوام الملائكة وهم غير الرسل منهم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية