الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد اختلف في معنى محاسبته تعالى عباده على ثلاثة أقوال ( أحدها ) : أنه يعلمهم ما لهم وعليهم كما تقدم ، قال بعض العلماء بأن يخلق الله في قلوبهم علوما ضرورية بمقادير أعمالهم من الثواب والعقاب ( الثاني ) : ونقل عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن يوقف الله تعالى عباده بين يديه ويؤتيهم كتب أعمالهم فيها سيئاتهم وحسناتهم فيقول : هذه سيئاتكم وقد تجاوزت عنها ، وهذه حسناتكم وقد ضاعفتها لكم ( الثالث ) : أن يكلم الله عباده في شأن أعمالهم ، وكيفية ما لها من الثواب ، وما عليها من العقاب ، وفي هذا من صحيح الأخبار وصريح الآثار ما يقلع شرور من في قلبه نوع اختلاج أصل كل شبهة وبدعة ، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي برزة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ما عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه ) قال الترمذي :

حديث حسن صحيح ، ورواه البزار والطبراني بإسناد صحيح من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه ، ولفظه " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال ، عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه " . وفي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت :

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من نوقش الحساب عذب " فقلت :

أليس يقول الله ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ) فقال :

" إنما ذلك العرض ، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك
.

ورواه أبو داود ، والترمذي ، وغيرهما .

ورواه البزار والطبراني في الكبير بإسناد صحيح من حديث ابن الزبير - رضي الله عنهما - ولفظه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من نوقش الحساب هلك . وفي صحيح مسلم ، وسنن الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " .

ورواه الإمام أحمد ، ولفظه " يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء ، وحتى للذرة من الذرة " ، ورواته رواة [ ص: 173 ] الصحيح ، الجلحاء والجماء التي لا قرن لها .

وأخرج الإمام أحمد أيضا عن أبي هريرة أيضا - رضي الله عنه - قال :

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيم انتطحا " وإسناده حسن .

ورواه الإمام أحمد أيضا ، وأبو يعلى من حديث أبي سعيد . وفي حديث عبد الله بن أنيس - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول " يحشر الله العباد يوم القيامة - أو قال : الناس - عراة غرلا بهما - قال قلنا : وما بهما ؟ قال : ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب :

أنا الديان ، أنا الملك ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقضيه منه ، حتى اللطمة " قال : قلنا : كيف وإنما نأتي عراة غرلا بهما ؟ قال : " الحسنات ، والسيئات
" رواه الإمام أحمد بإسناد حسن ، وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة ، وصيام ، وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " . وفي هذا أحاديث كثيرة وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية