الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ( 72 ) ) .

قوله تعالى : ( أعمى ) : الأولى بمعنى فاعل . وفي الثانية وجهان ; أحدهما : كذلك ; أي من كان في الدنيا عميا عن حجته ، فهو في الآخرة كذلك .

والثاني : هي أفعل التي تقتضي " من " ولذلك قال : " وأضل " . وأمال أبو عمرو الأولى دون الثانية ; لأنه رأى أن الثانية تقتضي " من " فكأن الألف وسط الكلمة تمثل أعمالهم .

قال تعالى : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ( 74 ) ) .

قوله تعالى : ( تركن ) : بفتح الكاف ، وماضيه بكسرها . وقال بعضهم : هي مفتوحة في الماضي والمستقبل ، وذلك من تداخل اللغتين ; إن من العرب من يقول : ركن يركن ، ومنهم من يقول : ركن يركن ، فيفتح الماضي ويضم المستقبل ، فسمع من لغته فتح الماضي فتح المستقبل ممن هو لغته ، أو بالعكس فجمع بينهما وإنما دعا قائل هذا إلى اعتقاده أنه لم يجئ عنهم : فعل يفعل ، بفتح العين فيهما في غير حروف الحلق إلا أبى يأبى ; وقد قرئ بضم الكاف .

قال تعالى : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ( 76 ) ) .

قوله تعالى : ( لا يلبثون ) : المشهور بفتح الياء والتخفيف وإثبات النون على إلغاء إذن ; لأن الواو العاطفة تصير الجملة مختلفة بما قبلها ; فيكون " إذن " حشوا .

ويقرأ بضم الياء والتشديد ، على ما لم يسم فاعله .

وفي بعض المصاحف بغير نون على إعمال إذن ، ولا يكترث بالواو ; فإنها قد تأتي مستأنفة .

[ ص: 135 ] ( خلافك ) ، وخلفك : لغتان بمعنى . وقد قرئ بهما .

( إلا قليلا ) : أي زمنا قليلا .

قال تعالى : ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ( 77 ) ) .

قوله تعالى : ( سنة من قد أرسلنا ) : هو منصوب على المصدر ; أي سننا بك سنة من تقدم من الأنبياء ، صلوات الله عليهم .

ويجوز أن تكون مفعولا به ; أي اتبع سنة من قد أرسلنا ، كما قال تعالى : ( فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] .

قال تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( 78 ) ) .

قوله تعالى : ( إلى غسق الليل ) : حال من الصلاة ; أي ممدودة .

ويجوز أن تتعلق بأقم ; فهي لانتهاء غاية الإقامة .

( وقرآن الفجر ) : فيه وجهان :

أحدهما : هو معطوف على الصلاة ; أي وأقم صلاة الفجر . والثاني : هو على الإغراء ; أي عليك قرآن الفجر ، أو الزم .

قال تعالى : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( 79 ) ) .

قوله تعالى : ( نافلة لك ) : فيه وجهان :

أحدهما : هو مصدر بمعنى تهجدا ; أي تنفل تنفلا ، وفاعله هنا مصدر كالعافية .

والثاني : هو حال ; أي صلاة نافلة .

( مقاما ) : فيه وجهان :

أحدهما : هو حال ، تقديره : ذا مقام . الثاني : أن يكون مصدرا ، تقديره : أن يبعثك فتقوم .

قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ( 82 ) ) . قوله تعالى : ( من القرآن ) : " من " لبيان الجنس ; أي كله هدى من الضلال .

[ ص: 136 ] وقيل : هي للتبعيض ; أي منه ما يشفي من المرض . وأجاز الكسائي : " ورحمة " بالنصب ، عطفا على " ما " .

التالي السابق


الخدمات العلمية