الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ( 92 ) ألا تتبعني أفعصيت أمري ( 93 ) قال ياابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ( 94 ) ) .

قوله تعالى : ( أن لا تتبعن ) : لا زائدة ، مثل قوله : ( ما منعك أن لا تسجد ) [ الأعراف : 12 ] وقد ذكر .

[ ص: 192 ] و ( ياابن أم ) : قد ذكر في الأعراف .

( لا تأخذ بلحيتي ) : المعنى لا تأخذني بلحيتي ; فلذلك دخلت الباء ، وفتح اللام لغة ، وقد قرئ بهما .

قال تعالى : ( قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ( 96 ) ) .

قوله تعالى : ( بصرت بما لم يبصروا ) : يتعدى بحرف جر ; فإن جئت بالهمز تعدى بنفسه ; كفرح ، وأفرحته . ويبصروا بالياء على الغيبة ، يعني قومموسى . وبالتاء على الخطاب ، والمخاطب موسى وحده ; ولكن جمع الضمير ; لأن قومه تبع له .

وقرئ بصرت بكسر الصاد ، وتبصروا بفتحها ; وهي لغة .

( قبضت ) بالضاد بملء الكف ، وبالصاد بأطراف الأصابع ، وقد قرئ به .

و ( قبضة ) : مصدر بالضاد والصاد ; ويجوز أن تكون بمعنى المقبوض ، فتكون مفعولا به .

ويقرأ قبضة بضم القاف ; وهي بمعنى المقبوض .

قال تعالى : ( قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ( 97 ) ) .

قوله تعالى : ( لا مساس ) : يقرأ بكسر الميم وفتح السين ، وهو مصدر ماسه ; أي لا أمسك ولا تمسني .

ويقرأ بفتح الميم وكسر السين وهو اسم للفعل ; أي لا تمسني . وقيل : هو اسم للخبر ; أي لا يكون بيننا مماسة .

( لن تخلفه ) : بضم التاء وكسر اللام ; أي لا تجده مخلفا ، مثل أحمدته وأحببته .

[ ص: 193 ] وقيل : المعنى سيصل إليك ; فكأنه يفي به .

ويقرأ بضم التاء وفتح اللام ، على ما لم يسم فاعله .

ويقرأ بالنون وكسر اللام ; أي لن نخلفكه ، فحذف المفعول الأول .

قوله تعالى : ( ظلت ) : يقرأ بفتح الظاء وكسرها ، وهما لغتان ; والأصل ظللت بكسر اللام الأولى ، فحذفت ونقلت كسرتها إلى الظاء . ومن فتح لم ينقل .

( لنحرقنه ) : بالتشديد ; من تحريق النار . وقيل : هو من : حرق ناب البعير ; إذا وقع بعضه على بعض ، والمعنى لنبردنه ، وشدد للتكثير .

ويقرأ بضم الراء والتخفيف ، وهي لغة في حرق ناب البعير .

( لننسفنه ) - بكسر السين وضمها ; وهما لغتان قد قرئ بهما .

قال تعالى : ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ( 98 ) كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا ( 99 ) ) .

قوله تعالى : ( وسع ) : يقرأ بكسر السين والتخفيف .

وعلما تمييز ; أي وسع علمه كل شيء .

ويقرأ بالتشديد والفتح وهو يتعدى إلى مفعولين والمعنى : أعطى كل شيء علما .

وفيه وجه آخر ; وهو أن يكون بمعنى عظم خلق كل شيء عظيم ، كالأرض والسماء ، وهو بمعنى بسط ; فيكون علما تمييزا .

( كذلك ) : صفة لمصدر محذوف ; أي قصصا كذلك ; أي نقص نبأ من أنباء .

قال تعالى : ( خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ( 101 ) ) .

قوله تعالى : ( خالدين ) : حال من الضمير في " يحمل " وحمل الضمير الأول على لفظ " من " فوحد ، و " خالدين " على المعنى فجمع .

و ( حملا ) : تمييز لاسم " ساء " ، و " ساء " مثل : بئس ; والتقدير : وساء الحمل حملا ، ولا ينبغي أن يكون التقدير : وساء الوزر ; لأن المميز ينبغي أن يكون من لفظ اسم بئس .

التالي السابق


الخدمات العلمية