الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( 35 ) ) .

قوله تعالى : ( آمنا ) : مفعول ثان ، و " البلد " وصف المفعول الأول .

و ( اجنبني ) : يقال : جنبته وأجنبته وجنبته .

وقد قرئ بقطع الهمزة وكسر النون .

[ ص: 88 ] ( أن نعبد ) : أي عن أن نعبد ، وقد ذكر الخلاف في موضعه من الإعراب مرارا .

قال تعالى : ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( 36 ) ) .

قوله تعالى : ( ومن عصاني ) : شرط في موضع رفع ، وجواب الشرط : " فإنك غفور رحيم " والعائد محذوف ; أي له ، وقد ذكر مثله في يوسف .

قال تعالى : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ( 37 ) ) .

قوله تعالى : ( من ذريتي ) : المفعول محذوف ; أي ذرية من ذريتي ، ويخرج على قول الأخفش أن تكون " من " زائدة .

( عند بيتك ) : يجوز أن يكون صفة لـ " واد " وأن يكون بدلا منه . ( ليقيموا ) : اللام متعلقة بأسكنت . و ( تهوي ) : مفعول ثان لاجعل .

ويقرأ بكسر الواو ، وماضيه هوي ومصدره الهوى . ويقرأ بفتح الواو وبالألف بعدها ، وماضيه هوي يهوى هوى ، والمعنيان متقاربان ، إلا أن هوى يتعدى بنفسه وهوي يتعدى بإلى ، إلا أن القراءة الثانية عديت بإلى حملا على تميل .

قال تعالى : ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء ( 39 ) ) .

قوله تعالى : ( على الكبر ) : حال من الياء في " وهب لي " .

قال تعالى : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ( 40 ) ) .

قوله تعالى : ( ومن ذريتي ) : هو معطوف على المفعول في " اجعلني " والتقدير : ومن ذريتي مقيم الصلاة .

قال تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( 42 ) ) .

قوله تعالى : ( إنما يؤخرهم ) : يقرأ بالنون على التعظيم ، وبالياء لتقدم اسم الله تعالى .

[ ص: 89 ] ( ليوم ) أي لأجل جزاء يوم . وقيل : هي بمعنى إلى .

قال تعالى : ( مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ( 43 ) وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ( 44 ) ) .

قوله تعالى : ( مهطعين ) : هو حال من الأبصار ; وإنما جاز ذلك لأن التقدير : تشخص فيه أصحاب الأبصار ; لأنه يقال : شخص زيد بصره ; أو تكون الأبصار دلت على أربابها ، فجعلت الحال من المدلول عليه . ويجوز أن يكون مفعولا لفعل محذوف تقديره : تراهم مهطعين .

( مقنعي رءوسهم ) : الإضافة غير محضة ; لأنه مستقبل أو حال . ( لا يرتد ) : حال من الضمير في مقنعي ، أو بدل من مقنعي ، و ( طرفهم ) : مصدر في الأصل بمعنى الفاعل ; لأنه يقال : ما طرفت عينه ، ولم يبق عين تطرف ، وقد جاء مجموعا . و ( وأفئدتهم هواء ) : جملة في موضع الحال ; أيضا ، فيجوز أن يكون العامل في الحال " يرتد " أو ما قبله من العوامل الصالحة للعمل فيها .

فإن قيل : كيف أفرد " هواء " ، وهو خبر لجمع ؟ . قيل : لما كان معنى هواء هاهنا فارغة متخرفة ، أفرد ، كما يجوز إفراد فارغة ; لأن تاء التأنيث فيها تدل على تأنيث الجمع الذي في " أفئدتهم " ومثله : أحوال صعبة ، وأفعال فاسدة ، ونحو ذلك .

( يوم يأتيهم ) : هو مفعول ثان لأنذر ; والتقدير : وأنذرهم عذاب يوم ; ولا يجوز أن يكون ظرفا ; لأن الإنذار لا يكون في ذلك اليوم .

قال تعالى : ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ( 45 ) ) .

قوله تعالى : ( وتبين لكم ) : فاعله مضمر دل عليه الكلام ; أي تبين لكم حالهم .

و ( كيف ) : في موضع نصب بـ " فعلنا " ولا يجوز أن يكون فاعل " تبين " لأمرين ; أحدهما : أن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله . والثاني : أن كيف لا تكون إلا خبرا ، أو ظرفا أو حالا على اختلافهم في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية