الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : تقدم في أسمائه صلى الله عليه وسلم أن منها الضحوك .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن الفارس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : اسمه في التوراة أحمد الضحوك ، قال ابن الفارس : وإنما سمي الضحوك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان طيب النفس فكها ، على كثرة من ينتابه ويفد عليه من جفاة العرب ، وأجلاف أهل البوادي ، لا يراه أحد ذا ضجر ، ولا قلق ، ولا جفاء ، ولكن لطيفا في المنطق ، رفيقا في المساءلات .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن مسعود ، وأبو الحسن بن الضحاك عن . . . قالا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذه ، وفي لفظ : إذا جرى به الضحك وضع يده على فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عدي عن علي رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبسم وضع يده على فيه ، ويقول : «سمعت جبريل عليه السلام يقول : ما ضحكت منذ خلقت جهنم» ، قال : فما رأيت نواجذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك بعد ذلك ، حتى قبضه الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه قال : أكثر ما كان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تبدو رباعيته أو ترى .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال أبو الحسن بن الضحاك رحمه الله تعالى : صحت الأخبار وتظاهرت بضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير موطن ، حتى تبدو نواجذه ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يضحك إلا تبسما ، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال : إن التبسم كان الأغلب عليه ، فيمكن أن يكون الناقل عنه أنه كان لا يضحك إلا متبسما لم يشاهد من النبي صلى الله عليه وسلم غير ما أخبر عنه ، ويكون من روي أنه ضحك حتى بدت نواجذه قد شاهد ذلك في وقت ما ، فنقل ما شاهد ، فلا اختلاف بينهما؛ لاختلاف المواطن والأوقات .

                                                                                                                                                                                                                              ويمكن أن يكون في ابتداء أمره كان يضحك حتى تبدو نواجذه في الأوقات النادرة ، وكان آخر أمره لا يضحك إلا متبسما ، وقد وردت عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              ويمكن أن يكون من روى عنه أنه كان لا يضحك إلا متبسما شاهد ضحكه ، حتى بدت نواجذه نادرا ، فأخبر عن الأكثر ، وغلبه على القليل النادر .

                                                                                                                                                                                                                              على أن أهل اللغة قد اختلفوا في النواجذ ما هي ؟ فقال جماعة : إن النواجذ أقصى الأضراس من الفم موضعا ، فعلى هذا تتحقق المعارضة ، ويمكن الجمع بين الأحاديث بما قلناه .

                                                                                                                                                                                                                              ومنهم من قال : النواجذ : هي الأنياب . وقال آخرون : هي الضواحك ، فعلى هذا لا يكون في ظاهر الأخبار معارضة؛ لأن المتبسم يلزمه ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قال في النهاية : النواجذ بكسر الجيم ، وبالذال المعجمة ، وهي من الأسنان الضواحك ، وهي التي تبدو عند الضحك ، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان ، والمراد الأول؛ لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أضراسه ، كيف وتقدم أن جل [ ص: 125 ] ضحكه التبسم ؟ وإن أريد به الأواخر فالوجه فيه أن يراد به مبالغة مثله في ضحكه ، من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك ، وهو أقيس القولين؛ لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية