الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الخامس: أن يقال: إن هذه الآيات المذكورة في اللقاء من قرأها علم بالاضطرار أن مضمونها إخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن العبد يلقى الله اللقاء الذي هو اللقاء.

كما أن سائر النصوص تخبر بما هو من جنس ذلك، وإذا كان هذا معلوما بالاضطرار من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فيقال: إن كان ذلك مستلزما لأن الملقي جسم، كان ذلك حجة قاطعة في إثبات جسم، وليس في نفي ذلك حجة تعارض هذا، لا سمعية، ولا عقلية، أما الحجج الشرعية فظاهرة، لم يدع أحد من العقلاء أن الكتاب والسنة دلالتهما على نفي الجسم أظهر من دلالتهما على ثبوته، بل عامة الفضلاء المنصفين يعلمون أنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن الله تعالى ليس بجسم، وجميع الطوائف من نفاة الجسم ومثبتته متفقون على أن ظواهر الكتاب والسنة تدل على إثبات الجسم، وإنما ينازعون [ ص: 31 ] في كون الدلالة محتملة التأويل أم لا، فعلم اتفاق الطوائف على أن الأدلة الشرعية الثبوتية لا تدل على قول نفاة الجسم، بل إنما تدل على قول المثبتين، سواء قيل: إن تلك الدلالة مقررة أو مصروفة، وإنما يدعي النفاة دلالة الأدلة العقلية على النفي، وقد تقدم ما ذكره النفاة من حجتهم، وحجة منازعيهم أظهر لكل ذي فهم أنهم أقرب إلى المعقول، وأن حجتهم أثبت في النظر والقياس العقلي، وإذا كان كذلك، فإذا قيل: إن مدلول هذه النصوص مستلزمة للجسم، فلازم الحق حق، وكان الواجب حينئذ إثبات الملزوم ولازمه، لا نفي اللازم ثم نفي [ ص: 32 ] ملزومه، كما يفعله من يجعل أقيسته النافية هي الأصل مع ما يبين منازعوه من فسادها واضطرابها وردها بما علم بالاضطرار وبالأقيسة العقلية، ويجعل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة وأئمتها تبعا لها، فلا يقبل حكمه ولا شهادته فيما يخالفها، وهؤلاء أسوأ حالا من هذا الوجه، ممن ادعى أن مسيلمة مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من جنسه، فإن أولئك لا يظهرون أنهم يتركون أوامر محمد صلى الله عليه وسلم لأمر مسيلمة، وإن كان ذلك لازما لهم، وهؤلاء يصرحون بهذا، وقد بينا أنهم أن أقيستهم من باب الإشراك وجعل الأنداد لله عز وجل والعدل به، [ ص: 33 ] فصار أصل قولهم شركا وردة ظاهرة، ونفاقا. أعني من الجهة التي يخالفون فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا من جهة أخرى مؤمنين به، مقرين بما جاء به، ولكنهم آمنوا ببعض، وكفروا ببعض.

ومنهم من يعلم ذلك فيكون منافقا محضا، ومنهم جهال اشتبه الأمر عليهم، وإن كانوا فضلاء. فهؤلاء فيهم إيمان، وقد يغفر للمخطئ سيئة المجتهد، وفي متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال عبد الله بن المبارك:


ولا أقول بقول الجهم إن له قولا يضارع قول الشرك أحيانا

وقال: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن [ ص: 34 ] نحكي كلام الجهمية.

التالي السابق


الخدمات العلمية