الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا ما اعتقد في الرجل أنه غير معظم رد أقواله وإن كانت حقا، فيجعل قائل القول سببا للقبول والرد من غير وزن بالكتاب والسنة.

وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للحارث بن حوط لما قال له: يا علي أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل وأنت على حق؟ [فقال]: لا [يا] حار إنه ملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله، إن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما الرجال يعرفون بالحق.

وكل من اتخذ شيخا أو عالما متبوعا في كل ما يقوله ويفعله، يوالي على موافقته ويعادي على مخالفته غير رسول الله صلى الله عليه وسلم; فهو مبتدع ضال خارج عن الكتاب والسنة، سواء كان من أهل العلم والدين; [ ص: 465 ] كالمشايخ والعلماء [أ] وكان من أهل الحرب والديوان; كالملوك والوزراء.

بل الواجب على جميع الأمة طاعة الله ورسوله، وموالاة المؤمنين على قدر إيمانهم، ومعاداة الكافرين على قدر كفرهم، كما قال تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون [المائدة: 55 - 56]، وقال تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة: 71].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». وقال: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه».

وفي « الصحيح» عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا [ ص: 466 ] تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم». ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون [آل عمران: 105 - 107].

قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.

وهذا هو الأصل الفارق بين أهل السنة والجماعة، وبين أهل البدعة والفرقة. فإن أهل السنة والجماعة يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام المطلق، الذي يتبعونه في كل شيء ويوالون من والاه ويعادون من عاداه. ويجعلون كتاب الله هو الكلام الذي يتبعونه كله ويصدقون خبره كله، ويطيعون أمره كله. ويجعلون خير الهدي والطريق والسنن والمناهج هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما أهل البدعة فينصبون لهم إماما يتبعونه، أو طريقا يسلكونه، يوالون عليه ويعادون عليه، وإن كان فيه ما يخالف السنة، حتى يوالوا من [ ص: 467 ] وافقهم مع بعده عن السنة، ويعادون من خالفهم مع قربه من السنة.

فإذا عرف الصراط المستقيم لم يكن بنا حاجة إلى معرفة حقيقة هؤلاء الرجال الذين اشتهوا عنهم. وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

آخر الفصل، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية