الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا حلف لا يسكن دار فلان هذه ، فباعها فسكن الحالف ، ولم يكن له نية لم يحنث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى : يحنث ، وكذلك العبد والثوب ، وكل ما يضاف إلى إنسان بالملك . وجه قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى أنه جمع في كلامه بين الإشارة والإضافة ، فيتعلق الحكم بالإشارة ; لأنها أبلغ في التعريف من الإضافة ، فإنها تقطع الشركة ، والإضافة لا تقطع الشركة ، فكان هذا بمنزلة قوله : لا أسكن هذه الدار والدليل عليه ما لو قال : والله لا أكلم زوجة فلان هذه صديق فلان هذا ، فكلم بعدما عاداه ، وفارقها يحنث لما قلنا .

وكذلك لو قال : لا أكلم صاحب هذا الطيلسان ، فكلم بعد ما باع الطيلسان يحنث وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : عقد يمينه على ملك يضاف إلى مالك ، فلا يبقى بعد زوال الملك ، كما لو كان أطلق دار فلان ، وتحقيقه من وجهين : ( أحدهما ) أن الدار لا يقصد هجرها لعينها ، بل لأذى حصل من مالكها ، واليمين تتقيد بمقصود الحالف فصار بمعرفة مقصوده كأنه قال : مادام لفلان بخلاف الزوجة والصديق ، فإنه يقصد هجرانهما لعينها ، وكذلك قوله لصاحب الطيلسان ; لأنه يقصد هجرانه لعينه لا لطيلسانه ، فكان ذكر هذه الأشياء للتعريف لا لتقييد اليمين . ( فإن قيل ) في العبد : هو آدمي ، فيقصد هجرانه لعينه ، ومع ذلك قلتم : إذا حلف لا يكلم عبد فلان هذا ، فكلمه بعد ما باعه لا يحنث . ( قلنا ) : ذكر ابن سماعة في نوادره أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يحنث بهذا في العبد .

ووجه ظاهر الرواية أن العبد مملوك ساقط المنزلة عند الأحرار ، فالظاهر أنه إذا كان الأذى منه لا يقصد هجرانه باليمين ، فلا يجعل له هذه المنزلة ، ولكن إنما يحلف إذا كان الأذى من ملكه ; ولأن إضافة المملوك إلى المالك حقيقة كالاسم ، ثم لو جمع في يمينه بين ذكر الاسم والعين ، وزال الاسم لم يبق اليمين ، كما لو حلف لا يدخل هذه الدار بعينها ، فجعلت بستانا فدخل لم يحنث لزوال الاسم ، فكذلك إذا جمع بين الإضافة والتعيين فزالت الإضافة لا يبقى اليمين ، بخلاف الزوجة والصديق ، فالإضافة هناك ليست بحقيقة ، ولكنه تعريف كالنسبة ، وكما أنه يتعلق اليمين بالعين دون النسبة ، فكذلك هنا يتعلق بالعين دون الإضافة ، فإن نوى أن لا يسكنها وإن زالت الإضافة فله ما نوى ; لأنه شدد الأمر على نفسه بنيته ، وكذلك عند محمد رحمه الله تعالى لو نوى أن لا يسكنها ما دامت لفلان فله ما نوى ; لأن المنوي من محتملات لفظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية