الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كاتب عبدين له مكاتبة واحدة فارتد أحدهما وقتل الآخر فإن الحي لا يعتق ما لم يؤد جميع المكاتبة مراعاة لشرط المولى كما في حال حياة الآخر وإن أدى عتقا جميعا ; لأنهما في حكم الأداء كشخص واحد فبعد موت أحدهما يبقى العقد في حقه ببقاء من يؤدي بدل الكتابة ، وهو الحي فلهذا عتقا بأدائه ، وإن كان المرتد حين قتل ترك له كسبا اكتسبه في ردته فإن المولى يأخذ من ذلك المال جميع المكاتبة ; لأنه مات عن وفاء فيبقى عقد الكتابة لحاجته إلى تحصيل الحرية ولا يحصل ذلك إلا بأداء جميع المال فلهذا أخذ المولى جميع المكاتبة من تركته ويعتقان جميعا ، ثم يرجع ورثته على الحي بحصته كما لو أداه في حياته وهذا لأنه مضطر في الأداء حيث لا يتوصل إلى العتق إلا به .

وبهذا تبين فساد استدلال زفر فإن عنده أحدهما إذا أدى لا يرجع على صاحبه ، وإن عندنا يرجع بعد مقالة المولى إذا أديا عتقا وإن عجزا ردا ، ثم بقية الكسب ميراث لهم لما بينا في العتاق أن قيام حق المولى في كسبه يمنعنا أن نجعل كسب ردته فيئا فيكون ميراثا لورثته ، وكذلك إن كان المرتد لحق بدار الحرب أخذ الباقي بجميع المكاتبة ; لأن أكثر ما فيه أن لحاقه بدار الحرب كموته ، والآخر لا يتوصل إلى العتق إلا بأداء جميع البدل فإذا أدى رجع على المرتد بحصته إذا رجع كما يرجع في تركته أن لو مات وإن لم يرجع حتى مات في دار الشرك عن مال وظهر المسلمون على ماله لم يرجع هذا المؤدي فيه بشيء ; لأن ذلك المال صار فيئا للمسلمين إذ لم يبق فيه للمولى حق حين حكم بحريته ، والدين لا يبقى في المال الذي صار فيئا وإن وجده قبل القسمة ألا ترى أن حرا لو استدان دينا ، ثم ارتد والعياذ بالله ولحق بدار الحرب ولم يخلف مالا هنا فظهر المسلمون عليه وعلى ماله فقتلوه لم [ ص: 19 ] يكن لغرمائه على ماله سبيل ; لأنه صار فيئا وهذا ; لأن السبي يوجب صفاء الحق في المسبي للسابي ولا يصفو له الحق إذا بقي الدين فيه .

وإن عجز المكاتب الحاضر ، والآخر مرتد في دار الحرب لم يرده القاضي في الرق ; لأن لحاقه بدار الحرب لم يتم لما بقي حق المولى في كسبه ورقبته فهو بمنزلة الغائب في دار الإسلام وقد بينا أنه إذا كان أحدهما غائبا لا يحكم بعجز الحاضر قبل رجوعه فهذا مثله فإن رد القاضي هذا في الرق لم يكن ردا للآخر حتى إذا رجع مسلما لم يرد إلى مولاه رقيقا لما بينا أن الحاضر ليس بخصم عن الغائب وإن عجز الغائب لم يظهر بعجز الحاضر فلهذا لا تنفسخ الكتابة في حق الغائب وإن كان مرتدا في دار الحرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية