الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن حلف لا يأكل طعاما ، فأكل خبزا أو فاكهة أو غير ذلك حنث ، ومراده أو غير ذلك مما يسمى طعاما عادة ، دون ما له طعم حقيقة ، فإن كل أحد يعلم أنه لا يريد السقمونيا بهذا اللفظ ، وله طعم عرفنا أن مراده ما يسمى في العادة طعاما ، ويؤكل على سبيل التطعم ، ولو حلف ليأكلن هذا الطعام اليوم ، فأكله غيره في اليوم لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى : يحنث إذا غابت الشمس ، والأصل فيه أن اليمين إذا كانت مؤقتة بوقت ، فانعقادها موجبا للبر في آخر [ ص: 180 ] ذلك اليوم ، إلا عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ، وجود ما حلف عليه ليس بشرط لانعقاد اليمين ، حتى إذا قال : لأشربن الماء الذي في الكوز ، ولا ماء فيه ، تنعقد اليمين ، فكذلك هنا انعدام الطعام في آخر اليوم عنده ، لا يمنع انعقاد اليمين ، فإذا انعقدت ، وتحقق فوت شرط البر حنث فيها ، وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى انعدام ما حلف عليه يمنع انعقاد اليمين ، كما في مسألة الشرب ، فلا ينعقد اليمين هنا لما انعدم الطعام في آخر الوقت ; وهذا لأن شرط حنثه ترك أكل الطعام في آخر جزء من أجزاء اليوم ، ولا يتصور ذلك إذا لم يبق الطعام ، وقد بينا أن بدون توهم البر لا ينعقد اليمين ، وإن لم يكن وقت فيه وقتا حنث ; لأن اليمين انعقدت في الحال لتوهم البر فيها لكون الطعام قائما في الحال ، ثم فات شرط البر بأكل الغير إياه ، فيحنث ( قال ) : وكذلك إن مات الحالف قبل أن يأكله ، والطعام قائم بعينه ; لأن شرط البر قد فات بموته ، وكذلك إن مضت المدة ، وهو حي ، والطعام قائم ; لأن شرط البر فعل الأكل في الوقت ، وقد تحقق فوته بمضي الوقت ، فحنث في يمينه ، وعلى هذا لو حلف ليقضين حق فلان غدا ، فقضاه اليوم لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويحنث عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ، كما جاء الغد ; لأن عنده كما جاء الغد انعقدت اليمين ، فإن عدم المحلوف عليه ، لا يمنع انعقاد اليمين عنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية