الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو حلف لا يساكن فلانا في دار قد سماها بعينها ، واقتسما وضربا بينهما حائطا ، وفتح كل واحد منهما بابا لنفسه ، ثم سكن الحالف طائفة ، والآخر طائفة لزمه الحنث ; لأنه قد ساكنه فيها بعينها ، والمعنى فيه أن شرط حنثه حين عقد اليمين أن يجمعهما فعل السكنى في الموضع الذي عينه ، وقد وجد ذلك في القسمة وضرب الحائط كما قبله ، وهذا بخلاف ما لو كانت يمينه على أن لا يساكنه في منزل ، ولم يسم دارا بعينها ، ولم ينوها ; لأن هناك بالقسمة وضرب الحائط صار كل جانب منزلا على حدة ; ولأن في غير العين يعتبر الوصف ، وفي العين يعتبر العين دون الوصف ، كما لو حلف أن لا يكلم شابا فكلم شيخا ، كان شابا وقت يمينه لم يحنث ، بخلاف ما لو حلف أن لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما شاخ يحنث ; وهذا لأنه في الدار المعينة أظهر بيمينه التبرم منها لا من فلان ، وفي غير المعين إنما أظهر التبرم من مساكنة فلان ، ولا يكون مساكنا له إذا لم يجمعهما منزل واحد .

ولو حلف أن لا يساكنه ، وهو ينوي في بيت واحد فساكنه في منزل ، كل واحد منهما في بيت لم يحنث ; لأنه نوى أكمل ما يكون من المساكنة فتصح نيته ، ويصير المنوي كالملفوظ به ، وإن حلف أن لا يسكن دارا بعينها ، فهدمت وبنيت بناء آخر فسكنها يحنث ; لأنها تلك الدار بعينها ، ومعنى هذا أن البناء وصف ، ورفع البناء الأول ، وإحداث بناء آخر يغير الوصف ، وفي العين لا معتبر بالوصف ، واسم الدار يبقى بعد هدم البناء حتى لو سكنها ، كذلك صار حانثا ; وهذا لأن الدار اسم لما أدير عليه الحائط ، فلا يزول ذلك برفع البناء أما ترى أن العرب تطلق اسم الدار على الخرابات التي لم يبق منها إلا الآثار ، قال القائل :

عفت الديار محلها فمقامها

وقال آخر :

يا دار مية بالعلياء فالسند

وهذا بخلاف ما لو حلف لا يسكن بيتا عينه ، فهدم حتى ترك صحراء ، ثم بني بيت آخر في ذلك الموضع فسكنه لم يحنث ; لأن اسم البيت يزول بهدم البناء ، ألا ترى أنه لو سكنه حين كان صحراء لم يحنث ; وهذا لأن البيت اسم لما يكون صالحا للبيتوتة فيه ، والصحراء غير صالح لذلك . واليمين المعقودة باسم لا يبقى بعد زوال الاسم ، ثم إنما حدث اسم البيت لذلك الموضع بالبناء الذي أحدث ، فكان هذا اسما غير ما عقد به اليمين ، ووزانه من الدار أن لو جعلها بستانا أو حماما ، ثم بنى دارا فسكنها لم يحنث ; لأن الاسم زال . جعلها بستانا أو حماما ثم حدث اسم الدار [ ص: 165 ] بصفة حادثة ، فلم يكن ذلك الاسم الذي انعقد به اليمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية