الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كاتب نصف جاريته فولدت ولدا كان ولدها بمنزلتها ونصف كسبه للمولى ; لأن نصف الولد مملوك كنصف الأم ونصف كسبه للأم ; لأنه داخل في كتابتها فتأخذ حصة ذلك من كسبه فإن أدت عتق نصفها ونصف الولد معها ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ; لأن كل واحد منهما معتق البعض وقد احتبس ما بقي من ملك المولى فيه عنده وكل واحد منهما مقصود في هذه السعاية فإذا اكتسب الولد بعد ذلك فذلك الكسب له دون أمه ومولاه ; لأنه صار كالمكاتب بما لزمه من السعاية في نصف قيمته مقصودا ، وإن ماتت الأم قبل أن تؤدي شيئا من كتابتها يسعى الولد في المكاتبة ; لأن نصفه تبع للأم في الكتابة فيقوم مقامها بعد موتها في السعاية ، وفي المكاتبة فإذا أداها عتق نصفها كما لو أدت في حال حياتها ويسعى بعد ذلك في نصف قيمته ولا يسعى في نصف قيمة أمه ; لأن في السعاية في نصف القيمة كل واحد منهما مقصود فلا يجب عليه ما كان واجبا عليها من السعاية ; لأن ذلك في حكم التبعية ولا تبعية هنا في حق [ ص: 45 ] ذلك النصف وهو بمنزلة رجل أعتق نصف جاريته ونصف ولدها ثم ماتت الأم فلا سعاية على الولد من قبل الأم .

ولو كان أعتق نصف أمته وهي حبلى فولدت بعد ذلك أو حبلت بعد العتق فهذا الولد يسعى فيما على أمه إذا ماتت ; لأن جميع الولد تبع لها ألا ترى أنه ليس عليه شيء من السعاية مقصودا فيسعى فيما عليها بعد موتها وإذا كاتب نصف أمته فولدت ولدا ثم ماتت الأم وتركت مالا وعليها دين قضي الدين من جميع تركتها أولا ; لأن نصفها مكاتب ونصفها مأذون ودين المأذون في كسبه مقدم على حق المولى ويكون للمولى نصف ما بقي بعد الدين ; لأن نصفه ملكه وكسب ذلك النصف له بعد الفراغ من الدين ونصف المكتسب لها فيؤدي من ذلك كتابتها فإن بقي شيء أخذ المولى نصف قيمتها ; لأنه كان يستسعيها في نصف القيمة بعد أداء الكتابة لو كانت حية فيأخذ ذلك من تركتها بعد موتها والباقي ميراث لورثتها ; لأنا حكمنا بموتها حرة ولا يرث هذا الولد منها شيئا ; لأن استناد العتق في الولد إلى حال حياتها كان في النصف الذي هو تبع لها ، وفي النصف الباقي الولد مقصود فإن عليه أن يسعى في نصف قيمته ولا يعتق إلا بعد أداء سعايته فكان بمنزلة المملوك عند موت أمه فإن لم تدع الأم شيئا سعى الولد في الدين كله ; لأن في حكم الدين الولد قائم مقام الأم كولد المأذونة ، وولد المكاتبة يسعى في الكتابة أيضا لهذا المعنى ثم يسعى في نصف قيمة نفسه ; لأنه معتق النصف بعد أداء الكتابة ولا يسعى في نصف قيمة الأم لما بينا أنه ليس بتبع لها في هذا النصف فإن أدى الكتابة قبل أن يؤدي دين الغرماء عتق نصفه ونصف أمه كما لو أدت في حياتها ولم يرجع الغرماء على المولى بما أخذ لكنهم يتبعون الولد بالدين ; لأنه قائم مقامها ، فأخذه بدل الكتابة منه كأخذه منها وإذا أخذ منها كان المأخوذ سالما والغرماء يتبعونها بديونهم فكذلك الولد وما اكتسب الولد قبل أن يؤدي الكتابة فنصفه للمولى بعد الدين ; لأن الولد بمنزلتها ، وقد بينا أنه يبدأ بالدين من كسبها ثم يسلم للمولى نصف ما بقي باعتبار ملكه في نصفها فكذلك الولد .

التالي السابق


الخدمات العلمية