الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا قال : ورحمة الله تعالى لا أفعل كذا ، أو وغضب الله ، وسخط الله ، وعذاب الله وثوابه ورضاه وعلمه ، فإنه لا يكون يمينا . والحاصل أن نقول اليمين : إما أن يكون باسم من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته ، وذلك يبتني على حروف القسم فلا بد من معرفتها أولا فنقول : حروف القسم الباء والواو والتاء ، أما الباء فهي للإلصاق في الأصل ، وهي بدل عن فعل محذوف فمعنى قوله بالله أي أحلف بالله . قال الله تعالى : { ويحلفون بالله } ، أو أقسم بالله . قال الله تعالى { : وأقسموا بالله } ; ولهذا يصح اقترانها بالكتابة فيقول القائل : به وبك ثم الواو تستعار للقسم بمعنى الباء لما بينهما من المشابهة صورة ومعنى ، أما صورة ; فلأن مخرج كل واحد منهما بضم الشفتين ، وأما المعنى فلأن الواو للعطف ، وفي العطف معنى الإلصاق إلا أنه لا يستقيم إظهار الفعل مع حرف الواو بأن يقول : أحلف والله ; لأن الاستعارة لتوسعة صلات الاسم لا لمعنى الإلصاق ، فإذا استعمل مع إظهار الفعل يكون بمعنى الإلصاق ، ولهذا لا يستقيم حرف الواو مع الكناية ، وإنما يستقيم مع التصريح [ ص: 132 ] بالاسم سواء ذكر اسم الله تعالى أو اسم غير الله ، فيقول : وأبيك وأبي ، ثم التاء تستعار لمعنى الواو لما بينهما من المشابهة ، فإنهما من حروف الزوائد تستعمل العرب إحداهما بمعنى الأخرى كقولهم تراث ووارث ، ولكن هذه الاستعارة لتوسعة صلة القسم بالله خاصة ، ولهذا لا يستقيم ذكر التاء إلا مع التصريح بالله حتى لا يقال : بالرحمن ، وإنما يقال بالله خاصة . قال الله تعالى { : تالله لقد آثرك الله علينا } { تالله لأكيدن أصنامكم } ، ثم الحلف بأسماء الله تعالى يمين في الصحيح من الجواب ، ومن أصحابنا من يقول كل اسم لا يسمى به غير الله تعالى كقوله والله والرحمن فهو يمين ، وما يسمى به غير الله تعالى كالحكيم والعالم فإن أراد به اليمين فهو يمين ، وإن لم يرد به اليمين لا يكون يمينا ، وكان بشر المريسي يقول في قوله والرحمن : إن أراد به اسم الله تعالى فهو يمين ، وإن أراد به سورة الرحمن لا يكون يمينا ; لأنه حلف بالقرآن .

وقد بينا في كتاب الطلاق أن قوله : والقرآن لا يكون يمينا ولكن الأول أصح ; لأن تصحيح كلام المتكلم واجب ما أمكن ، ومطلق الكلام محمول على ما يفيد دون ما لا يفيد ، وذلك في أن يجعل يمينا ، ويستوي إن قال : والله أو بالله أو تالله ، وكذلك إن قال : الله ; لأن من عادة العرب حذف بعض الحروف للإيجاز ، قال القائل :

قلت لها قفي فقالت قاف لا تحسبن أني نسيت الإلحاف

أي وقفت إلا أن عند نحويي البصرة عند حذف حرف القسم يذكر منصوبا بانتزاع حرف الخافض منه ، وعند نحويي الكوفة يذكر مخفوضا ; لتكون كسرة الهاء دليلا على محذوفه ، وكذلك لو قال : لله ; لأن معناه بالله ، فإن الباء واللام يتقاربان . قال الله تعالى { آمنتم له } أي آمنتم به . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج ، وذكر القفال في تفسيره إذا قال له ، وعنى به اليمين يكون يمينا ، واستدل بقول القائل

لهنك من عبسية لوسيمة     على هنوات كاذب من يقولها

معناه لله إنك .

التالي السابق


الخدمات العلمية