الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4793 18 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث عن يزيد ، عن عراك ، عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر فقال له أبو بكر : إنما أنا أخوك ، فقال : أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي صغيرة وكان عمرها ست سنين واعترض الإسماعيلي هذا بوجهين : أحدهما : أن صغر عائشة من كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم من غير هذا الخبر ، والآخر أن هذا مرسل فإن كان مثل هذا يدخل في الصحيح فيلزمه في غيره من المراسيل ، وأجاب بعضهم عن الأول بقوله : يمكن أن يؤخذ من قول أبي بكر إنما أنا أخوك فإن الغالب في بنت الأخ أن تكون أصغر من عمها قلت : هذا ليس بشيء ; لأن الترجمة فيتزويج الصغار من الكبار وليست في مجرد بيان الصغار من الكبار ، والجواب الصحيح الذي ذكرته .

                                                                                                                                                                                  والجواب عن الثاني : وإن كانت صورته صورة الإرسال ولكن الظاهر أن عروة حمله عن عائشة يدل عليه أن أبا العباس الطرقي ذكره في كتابه مسندا عن عروة ، عن عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال ابن عبد البر : مثل هذا يدخل في المسند .

                                                                                                                                                                                  قوله : " خطب عائشة إلى أبي بكر " قيل : كلمة إلى هنا بمعنى من ، والأولى أن تكون على حالها للغاية أي أنهى خطبته إلى أبي بكر كما في قولهم : أحمد إليك الله أي أنهي حمده إليك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إنما أنا أخوك " كأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه اعتقد أنه لا يحل له أن يتزوج ابنته للمؤاخاة والخلة التي كانت بينهما فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن أخوة الإسلام ليست كأخوة النسب والولادة فقال : إنها لي حلال بوحي الله تعالى كما قال إبراهيم عليه السلام للذي أراد أن يأخذ منه زوجته هي أختي يعني في الإيمان ; لأنه لم يكن أحد مؤمنا غيرهما في ذلك الوقت .

                                                                                                                                                                                  واعترض صاحب التلويح هنا بوجهين : أحدهما : أن الخلة لأبي بكر إنما كانت في المدينة والخطبة إنما كانت بمكة فكيف يلتئم قوله في هذا .

                                                                                                                                                                                  والآخر : أنه صلى الله عليه وسلم ما باشر الخطبة بنفسه كما ذكر ابن عاصم من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون يخطبها فقال لها أبو بكر رضي الله تعالى عنه : وهل تصلح له ؟ إنما هي ابنة أخيه فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : ارجعي وقولي له : أنت أخي في الإسلام فابنتك تصلح لي فأتت أبا بكر فذكرت له فقال : ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه فأنكحه انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : أما الجواب عن الأول فهو أنه لا مانع أن الخلة إنما كانت في مكة ولكن ما ظهرت إلا بالمدينة ، وأما الجواب عن الثاني : فيحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما جاء إلى أبي بكر خطب بنفسه أيضا فوقع بينهما ما ذكر في الحديث ثم إنه لما علم حقيقة الأمر أنكحها من النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 78 ] وقال ابن بطال : أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم ، وإن كن في المهد إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال ، وأحوالهن في ذلك مختلف في قدر خلقهن وطاقتهن ، واختلف العلماء في تزويج غير الآباء اليتيمة ، فقال ابن أبي ليلى ، ومالك ، والليث ، والثوري ، والشافعي ، وابن الماجشون ، وأبو ثور : ليس لغير الأب أن يزوج اليتيمة الصغيرة ، فإن فعل فالنكاح باطل .

                                                                                                                                                                                  وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال : يزوج القاضي الصغيرة دون الأولياء ، ووصي الأب والجد عند الشافعي عند عدم الأب كالأب ، وقالت طائفة : إذا زوج الصغيرة غير الأب من الأولياء فلها الخيار إذا بلغت ، يروى هذا عن عطاء والحسن وطاوس ، وهو قول الأوزاعي ، وأبي حنيفة ، ومحمد إلا أنهما جعلا الجد كالأب لا خيار في تزويجه وقال أبو يوسف : لا خيار لها في جميع الأولياء ، وقال أحمد : لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين ، فإذا بلغت ورضيت فلا خيار لها .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية