الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله: " الجمهور الأعظم، وهم أهل التوحيد يعلمون: أن الباري جل وعلا موجود، ولا يعلمون أنه لا بد وأن يكون محايثا للعالم أو مباينا له".

قلنا: ليس الأمر كذلك بل النفاة مغمورون في جانب أهل التوحيد أيضا، فيكون بالنسبة إلى جماهير بني آدم من المسلمين وغيرهم.

وجمهورهم تقلد هذا القول عن بعض حتى تغيرت فطرته ليس في هؤلاء أحد من سلف الأمة ولا أئمتها ولا فيهم إلا من هو مجروح من المسلمين ببدعة وإن كان متأولا فيها ومغفورا له خطؤه، أو فيه ما هو أكثر من البدعة، وهو الغالب على أئمة هذا القول من نوع ردة عن الإسلام ونفاق فيه وغير ذلك، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أنهم من أضل الخلق وأجهلهم فلا يضرهم خلافهم في ذلك.

الوجه الثاني: أن يقال: العلم أمر وجودي وأما عدم العلم [ ص: 367 ] فوصف عدمي، والأمر الوجودي يتوقف على السبب التام، بخلاف العدمي فإنه يكفي فيه عدم السبب أو نقصه. وإذا كان كذلك فليس مجرد علم الإنسان بالدليل علة كان أو غيرها يوجب علمه بالمدلول معلولا كان أو غيره، إن لم يستحضر في ذهنه دلالة الدليل على المدلول، ويتفطن لما فيه من الدلالة. وهذا كما أن خلقا يسمعون كلام الله، وهو الدليل الهادي ويشهدون آيات الله بالليل والنهار، وهم عنها معرضون لعدم التفكير والتدبر: أما إذا علم الرجل الحكم فلا بد له من سبب يوجب العلم في قلبه، وكون الشيء إما محايثا وإما مباينا وإما قديما وإما محدثا ونحو ذلك، وإنما هو الوصف المعقول وهو لزوم أحد الوصفين للموجود، وكون الموجود ينقسم إلى هذين، فإن الموجود المطلق وجوده ذهني، [ ص: 368 ] وكذلك الانقسام إلى قسمين هو حكم عقلي، وكذلك لزوم أحد الوصفين لا بعينه حكم عقلي ليس بحسي. فإذا كان هذا الحكم يحكم به العقل بمجرد علمه وجود الشيء المحايث والمباين قبل علمه بكونه محدثا، علم أن العلم بهذا الانقسام العقلي لا يتوقف على الحكم بالحدوث بل يعلم بمجرد العلم بكونه موجودا فلو كان المقتضي له ليس هو الوجود بل هو الحدوث أو ما يشترط فيه الحدوث، كان الحكم بذلك بدون العلم بمقتضيه وملزومه حكما بالذهن بلا حجة، فإنه إنما يستدل على الشيء بعلته أو معلوله أو يستدل بأحد المعلولين على الآخر، فإذا كانت جميع وجوه الأدلة منتفية انتفى العلم. فإذا كان العلم بهذا الانقسام موجودا بدون هذه الوجوه علم أنها ليست أدلة فلا تكون داخلة في التعليل.

التالي السابق


الخدمات العلمية