الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يشترط لصحتها أيضا ( كون المنفعة ) معلومة كما يأتي ( متقومة ) أي لها قيمة ليحسن بذل المال في مقابلتها وإلا بأن كانت محرمة أو خسيسة كان بذل المال في مقابلتها سفها ، وكونها واقعة للمكتري وكون العقد عليها غير متضمن لاستيفاء عين قصدا كاستئجار بستان لثمرته بخلاف نحو طفل لإرضاعه ، وكونها تستوفى مع بقاء العين ، وكونها مباحة مملوكة مقصودة لا كتفاحة للشم فإن كثر التفاح صحت الإجارة لأن منه ما هو أطيب من كثير من الرياحين كما ذكره الرافعي وإن نازعه السبكي وغيره ، وكونها تضمن بالبدل لا ككلب وتباح بالإباحة لا كبضع وأكثر هذه القيود مأخوذة من كلامه ( فلا يصح ) ( استئجار بياع على كلمة ) ومعلم على حروف من قرآن أو غيره ( لا تتعب ) قائلها عادة فيما يظهر ( وإن روجت السلعة ) إذ لا قيمة لها ، فلو استأجر عليها مع انتفاء التعب بتردد أو كلام فلا شيء له وإلا فله أجرة المثل ، وما بحثه الأذرعي من أن الفرض أنه استأجره على ما لا تعب فيه فتعبه غير معقود عليه [ ص: 270 ] فيكون متبرعا به مردود بأنه لا يتم عادة إلا بذلك . فكان كالمعقود عليه ، وشمل كلام المصنف ما كان مستقر القيمة ، وما لم يستقر خلافا لمحمد بن يحيى إلا أن يحمل كلامه على ما فيه تعب . أما ما يحصل فيه تعب من الكلمات كما في بيع الدور والرقيق ونحوهما مما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين فيصح الاستئجار عليه .

                                                                                                                            وفي الإحياء امتناع أخذ طبيب أجرة على كلمة بدواء ينفرد به لانتفاء المشقة ، بخلاف ما هو عرف إزالة اعوجاج نحو سيف بضربة واحدة أي وإن لم يكن فيها مشقة ، إذ هذه الصناعات يتعب في تعلمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه التعب ، وخالفه البغوي في هذه ، ورجح الأذرعي الأول ، وهو الأوجه ( وكذا دراهم ودنانير للتزيين ) أو الوزن بها أو الضرب على سكتها ( و ) نحو ( كلب للصيد ) أو الحراسة به فإن ذلك لا يصح استئجاره ( في الأصح ) لأن منفعة التزين بهما غير مقصودة غالبا بدليل عدم ضمان غاصبهما أجرتهما ونحو الكلب لا قيمة لعينه ولا لمنفعته ، والثاني ينازع في ذلك . أما إذا لم يصرح بالتزيين أو لم يكن الكلب معلما فلا تصح جزما ، وخرج بالكلب الخنزير فلا تصح إجارته جزما والمتولد منهما كذلك كما قاله بعضهم . وخرج بالدراهم والدنانير الحلي فتجوز إجارته حتى بمثله من ذهب أو فضة ويعلم مما مر في الزكاة عدم صحة إجارة دنانير مثقوبة غير معارة للتزين بها ، ولو استأجر شجرة للاستظلال بظلها أو الربط بها أو طائرا للأنس بصوته كالعندليب أو لونه كالطاووس صح لأن المنافع المذكورة مقصودة متقومة . ويصح استئجار هر لدفع الفأر . وشبكة وباز وشاهين لصيد لأن منافعها متقومة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كاستئجار بستان ) أي ولا استئجار أرض لنحو جدرانها ويأخذ ما فيها من الآلات لأن الإجارة إنما تستحق بها المنفعة لا الأعيان ، وعليه فلو استأجر أرضا للبناء أو غيره ثم حفر للتوصل لاستيفاء المنفعة التي استأجر لها فوجد في الأرض أحجارا مدفونة أو أصول جدران على ملك المؤجر إن كانت ملكا ولجهة الوقف إن كانت وقفا فعليه دفعها للمالك حيث لم يعرض عنها ، ومع ذلك لا تملك إلا بعقد أو لناظر الوقف ، فإن تصرف في شيء منها ضمنها ضمان الغصوب ، وقوله لثمرته : أي فإنه باطل ( قوله : بخلاف نحو طفل ) أي بخلاف استئجار المرأة لإرضاع نحو إلخ ( قوله : وإن نازعه ) أي في صحة الإجارة ( قوله : مع انتفاء التعب ) أي وفعلها مع إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فله أجرة المثل ) أي بأن استأجره على كلمة لا تتعب واحتاج في الإتيان بها إلى تردد . وقع السؤال عن رجل دفع لآخر بيضا يخدمه إلى أن يفرخ وقال له لك منه كذا هل ذلك صحيح أم لا ؟ والجواب عنه بأنه إن استأجره ببعضه حالا صح واستحقه شائعا وإلا كان إجارة فاسدة فالمفرخ للمالك وعليه للمقول له أجرة مثل عمله أخذا من مسألة الاستئجار لإرضاع الرقيق المذكورة في كلام المصنف [ ص: 270 ] قوله : خلافا لمحمد بن يحيى ) حيث قال : محل عدم صحة الإجارة على كلمة لا تتعب إذا كان المنادى عليه مستقر القيمة ا هـ شيخنا زيادي بالمعنى ( قوله : فيصح الاستئجار عليه ) وكأنهم اغتفروا جهالة العمل هنا للحاجة فإنه لا يعلم مقدار الكلمات التي يأتي بها ، ولا مقدار الزمان الذي يصرف فيه التردد للنداء ، ولا الأمكنة التي يتردد إليها ( قوله : لانتفاء المشقة ) يؤخذ منه صحة الإجارة على إبطال السحر ، لأن فاعله يحصل له مشقة بالكتابة ونحوها من استعمال البخور وتلاوة الأقسام التي جرت عادتهم باستعمالها .

                                                                                                                            ومنه إزالة ما يحصل للزوج من الانحلال المسمى عند العامة بالرباط ، والأجرة على من التزم العوض ولو أجنبيا حتى لو كان المانع من الزوج والتزمت المرأة وأهلها العوض لزمت الأجرة من التزامها وكذا عكسه ، ولا يلزم من قام المانع به الاستئجار لأنه من قبيل المداواة وهي غير لازمة للمريض من الزوجين ، ثم إن وقع إيجار صحيح بعقد لزم المسمى وإلا فأجرة المثل ، ولا ينافي قولنا أولا ولو أجنبيا قول الشارح وكونها واقعة على المكتري لجواز أن ما هنا من الجعالة لا من الإجارة ، وقد صرحوا فيها بأنه لو قال شخص من رد عبد زيد فله كذا فلزوم الجعل للملتزم على رد العبد ( قوله : في هذه ) أي في ضربة السيف ( قوله الأول ) أي الصحة ( قوله : كذلك ) أي لا تصح إجارته جزما ( قوله : حتى بمثله من ذهب ) أي لأن المعقود عليه في الإجارة المنفعة فلا ربا في ذلك لأنه إنما يكون في بيع النقد بمثله ( قوله : للتزين بها ) أي لحرمة استعمالها ( قوله : كالعندليب ) بوزن الزنجبيل طائر يقال له الهزار بفتح الهاء وجمعه عنادل ا هـ مختار الصحاح .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وكونها واقعة للمكتري ) أي : أو موكله أو موليه ، وخرج بذلك العبادة التي لا تقبل النيابة كالصلاة ( قوله : بخلاف نحو طفل ) صوابه بخلاف استئجارها لارتضاع نحو طفل ( قوله : وكونها مباحة ) قد يقال هذا يغني عنه قول المصنف متقومة ومن ثم أخرج هو بها المحرمة كما مر ( قوله : مع انتقاء التعب ) لا يخفى أن هذا الظرف لم يتقدم عليه ما يصح تعلقه به إلا لفظ استئجار ، وحينئذ يكون المعنى : لو استأجر ، والحال أن التعب منتف : أي بأن كان ذلك معلوما وقت الإيجار ، ويكون معنى قوله وإلا : أي وإن لم ينتف التعب بل كان موجودا : أي معلوما عند الإيجار كما هو قضية تعلق الظرف باستئجار ، وحينئذ فيشكل ; لأن التعب إذا كان معلوما فهو صورة الصحة ، وعبارة التحفة وحيث لم يصح فإن تعب بكثرة تردد أو كلام فله أجرة مثل وإلا فلا انتهت .

                                                                                                                            فجعل التعب أمرا عارضا ، والصورة [ ص: 270 ] أن الكلمة من شأنها لا تتعب ، فلعل ما اقتضاه كلام الشارح غير مراد له ( قوله : مردود بأنه لا يتم عادة إلا بذلك ) قد يقال هذا لا يرد بحث الأذرعي لأن فرض المسألة أن الإجارة على ما من شأنه عدم التعب وما العادة فيه عدم التعب




                                                                                                                            الخدمات العلمية