الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل في الحكم بإسلام اللقيط وغيره وكفرهما بالتبعية للدار أو غيرها ( إذا وجد لقيط بدار الإسلام ) ومنها ما علم كونه مسكنا للمسلمين ولو في زمن قديم فغلب عليه الكفار كقرطبة نظرا لاستيلائنا القديم ، لكن نقل الرافعي عن بعض المتأخرين أن محله إن لم يمنعونا منها وإلا فهي دار كفر ، وأجاب عنه السبكي بأنه يصح أن يقال : إنها صارت دار كفر صورة لا حكما ( و ) إن كان ( فيها أهل ذمة ) أو عهد كما قاله الماوردي وغيره ( أو ) وجد ( بدار فتحوها ) أي المسلمون ( وأقروها بيد كفار صلحا ) أي على وجه الصلح ( أو ) أقروها بيدهم ( بعد ملكها بجزية وفيها ) أي الدار في المسائل الثلاث حتى في الأولى كما قاله الدارمي وإن نظر فيه غيره ، والأخيرتان دار الإسلام كما قالاه وإن نظر السبكي في الثانية ( مسلم ) يمكن كونه منه ولو مجتازا ( حكم بإسلام اللقيط ) تغليبا لدار الإسلام لخبر أحمد وغيره { الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه } وحيث لا ذمي ثم فمسلم باطنا وإلا فظاهرا فقط ، قاله الماوردي .

                                                                                                                            أما إذا لم يكن ثم مسلم يمكن كونه منه فهو كافر ، واكتفي هنا بالمجتاز تغليبا لحرمة دارنا بخلافه في قوله ( وإن وجد بدار كفار فكافر إن لم يسكنها مسلم ) فاجتيازه فيها لا اعتبار به ( وإن سكنها مسلم ) يمكن أن يكون منه ( كأسير ) منتشر ( وتاجر فمسلم في الأصح ) تغليبا للإسلام ، فلو أنكره [ ص: 455 ] ذلك المسلم قبل في نفي نسبه دون إسلامه ، والثاني كافر تغليبا للدار ، والمراد بالسكنى هنا ما يقطع حكم السفر ، قاله الأذرعي بحثا ، قال : بل ينبغي الاكتفاء بلبث يمكن فيه الوقاع وأن ذلك الولد منه ، بخلاف من ولد بعد طروقه بنحو شهر لاستحالة كونه منه ، قال : وقضية إطلاقهم أنه لو كان مسلم واحد بمصر عظيم بدار حرب ووجد فيه كل يوم ألف لقيط مثلا حكم بإسلامهم ، وهذا إذا كان لأجل تبعية الإسلام كالسابي فذاك أو لإمكان كونه منه ولو على بعد وهو الظاهر ففيه نظر ، لا سيما إذا كان المسلم الموجود امرأة ا هـ .

                                                                                                                            واعلم أنه يؤخذ من اكتفائهم في دارنا بالمجتاز ، وفي دارهم بالسكنى أنه لا يكتفى في دارهم إلا بالإمكان القريب عادة ، وحينئذ فالأوجه أنه متى أمكن كونه منه إمكانا قريبا عادة فمسلم وإلا فلا ، أما أسير محبوس في مطمورة قال الإمام : فيتجه أنه لا أثر له كما لا أثر للمجتاز انتهى .

                                                                                                                            وهو ظاهر كما قاله بعض المتأخرين إذا لم يكن في المحبوسين امرأة ، ولو وجد اللقيط ببرية فمسلم حكاه شارح التعجيز عن جده وهو ظاهر إن كانت برية دارنا أو لا يد لأحد عليها ، فإن كانت برية دار حرب لا يطرقها مسلم فلا وولد الذمية من الزنا بمسلم كافر كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لأنه مقطوع النسب عنه خلافا لابن حزم ومن تبعه ( ومن حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمي ) أو معاهد أو مؤمن كما قاله الزركشي ( بينة بنسبه لحقه ) لأنه كالمسلم في النسب ( وتبعه في الكفر ) فارتفع ما ظنناه من إسلامه لأن الدار حكم باليد والبينة أقوى من اليد المجردة ، وتصور علوقه من مسلم بوطء شبهة أمر نادر لا يعول عليه مع البينة ، وشمل كلامه ما لو تمحضت البينة نسوة وهو الأوجه من وجهين حكاهما الدارمي ، والأقرب اعتبار إلحاق القائف ; لأنه حكم فهو كالبينة بل أقوى ، وفي النسوة أنه إن ثبت بهن النسب تبعه في الكفر وإلا فلا ( وإن اقتصر ) الكافر ( على [ ص: 456 ] الدعوى ) بأنه ابنه ولا حجة له ( فالمذهب أنه لا يتبعه في الكفر ) وإن لحقه في النسب لأنا حكمنا بإسلامه فلا نغيره بمجرد دعوى كافر مع إمكان تلك الشبهة النادرة .

                                                                                                                            والطريق الثاني فيه قولان ثانيهما يتبعه في الكفر كالنسب ، وجعل الماوردي محل الخلاف ما إذا استلحقه قبل أن يصدر منه صلاة أو صوم ، فإن صدر منه ذلك لم يغير عن حكم الإسلام قطعا ، وسواء أقلنا بتبعيته في الكفر أم لا يحال ، بينهما كما يحال بين أبوي مميز وصف الإسلام وبينه ، قال في الكفاية : وقضية إطلاقهم وجوب الحيلولة بينهما إن قلنا بعدم تبعيته له في الكفر ، لكن في المهذب أنه يستحب تسليمه لمسلم فإذا بلغ ووصف الكفر فإن قلنا بالتبعية قرر لكنه يهدد لعله يسلم وإلا ففي تقريره ما سبق من الخلاف ( ويحكم بإسلام الصبي بجهتين أخريين لا يفرضان في لقيط ) وإنما ذكرا في بابه استطرادا ( إحداهما الولادة فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق ) وإن علا ولو أثنى غير وارثة أو قنا قبل الظفر به أو بعده كما سيأتي مبسوطا في السير ، وشمل ذلك ما لو كان حدوث الولد بعد موت أصله وهو الأوجه من تردد فيه ولو مع وجود حي أقرب منه بشرط نسبته إليه نسبة تقتضي التوارث ولو بالرحم فلا يرد آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم ( فهو مسلم ) بالإجماع وإن ارتد بعد العلوق ( فإن بلغ ووصف كفرا ) أي أعرب به عن نفسه كما في المحرر ( فمرتد ) لأنه مسلم ظاهرا وباطنا ( ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما ) وإن علا كما ذكر قبل بلوغه ولو بعد [ ص: 457 ] تمييزه ( حكم بإسلامه ) إجماعا كما في إسلام الأب ولخبر { الإسلام يعلو ولا يعلى عليه } ولو أمكن احتلامه فادعاه قبل إسلام أصله فظاهر إطلاقهم قبول قوله فيه لزمن إمكانه قبوله هنا فلا يحكم بإسلامه ، وما بحثه الولي العراقي من عدم قبول قوله إلا أن ينبت على عانته شعر خشن غير ظاهر ، اللهم إلا أن يقال : الاحتياط للإسلام يلغي قوله المانع لاحتمال كذبه فيه ولأصل بقاء الصغر وكالصبي فيما ذكر المجنون ولو بعد بلوغه المحكوم بكفره ( فإن بلغ ووصف كفرا فمرتد ) لسبق الحكم بإسلامه ظاهرا وباطنا ( وفي قول ) هو ( كافر أصلي ) بأن تبعيته أزالت الحكم بكفره وقد زالت باستقلاله فعاد لما كان عليه أولا ، وبني عليه أنه يلزمه التلفظ بالإسلام بعد البلوغ بخلافه على الأول ، ومن ثم لو مات قبل التلفظ جهز كمسلم ، بل قال الإمام وصوبه في الروضة هو كذلك على الثاني أيضا لأن هذه الأمور مبنية على الظواهر وظاهره الإسلام انتهى .

                                                                                                                            ولعلهم لم ينظروا لوجوب التلفظ عليه على الثاني إذ تركه يوجب إثمه دون كفره كما لا يخفي ، وما ذكره في الإحياء كالحليمي من أن المسلم بإسلام أحد أبويه لا يغني عنه إسلامه شيئا ما لم يسلم بنفسه غريب أو سبق قلم على ما قاله الأذرعي أو مفرع على وجوب التلفظ ، ولو تلفظ ثم ارتد فمرتد قطعا ، ولا ينقض ما جرى عليه من أحكام الإسلام قبل ردته على الأصح .

                                                                                                                            الجهة ( الثانية إذا سبى مسلم ) ولو صبيا مجنونا وإن كان معه كافر كامل ( طفلا ) ومجنونا ومراده به الجنس الشامل لذكر كل وأنثاه [ ص: 458 ] متحدا ومتعددا ( تبع السابي في الإسلام ) ظاهرا وباطنا ( إن لم يكن معه أحد أبويه ) بالإجماع ولا اعتبار بمن شذ ولأنه صار تحت ولايته كالأبوين ، وقضية الحكم بإسلامه باطنا أنه لو بلغ ووصف كفرا كان مرتدا وهو كذلك كما صرحوا به وإن أوهم كلام بعض الشراح أنه كافر أصلي ، أما إذا كان معه أحدهما وإن علا كما أشار إليه الأذرعي بأن كانا في جيش واحد وغنيمة واحدة وإن لم يتحد المالك وقد سبيا معا أو تقدم الأب فيما يظهر وإن أطلق القاضي في تعليقه أنه إذا سبق سبي أحدهما سبي الآخر تبع السابي فلا يحكم بإسلامه لأن تبعيتهما أقوى من تبعية السابي وإن ماتا بعد لأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي ( ولو سباه ذمي ) قال الإمام قاطن ببلادنا ، والبغوي ودخل به دارنا ، والدارمي وسباه في جيشنا ، وكل إنما هو قيد للخلاف في قولهم ( لم يحكم بإسلامه ) بل بكونه على دين سابيه كما ذكره الماوردي وغيره لا أبويه ( في الأصح ) لأن كونه من أهل دار الإسلام لم يؤثر فيه ولا في أولاده فكيف يؤثر في مسبيه ، ولأن تبعية الدار إنما تؤثر في حق من لا يعرف حاله ولا نسبه .

                                                                                                                            والثاني يحكم بإسلامه تبعا للدار ، والأوجه أنه لو سبي أبواه ثم أسلما صار مسلما بإسلامهما خلافا للحليمي ومن تبعه ، ويقاس به ما لو أسلما بأنفسهما في دار الحرب أو خرجا إلينا وأسلما وهو الأصح وخرج بسباه في جيشنا نحو سرقته له ، فإن قلنا يملكه كله فكذلك ، أو غنيمة وهو الأصح فهو مسلم لأن بعضه للمسلمين ، وبحث السبكي ومن تبعه أنه لو أسلم سابيه الذمي أو قهر حربي صغيرا حربيا وملكه ثم أسلم تبعه لأن له عليه ولاية وملكا وذلك علة الإسلام في السابي المسلم .

                                                                                                                            وفي فتاوى البغوي إبداء الوجهين في كافر اشترى صغيرا ثم أسلم هل يتبعه ، وأوجههما عدم التبعية بل وكذا فيما قبله ، ولا يلحق بالسبي غيره لأنه مع كونه أقوى في القهر إنما يؤثر ابتداء فلا يقاس به غيره في الأثناء ، وتصريح الشيخين بأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي يؤيد ما ذكرناه ، والمستأمن كالذمي ولو سباه مسلم وذمي حكم بإسلامه تغليبا لحكم الإسلام كما ذكره القاضي وغيره ، ولو سبى الذمي صبيا أو مجنونا وباعه لمسلم أو باعه المسلم السابي له مع أحد أبويه في جيش واحد ولو دون أبويه من مسلم لم يتبع المشتري لفوات وقت التبعية لأنها إنما تثبت ابتداء ، ولو جنى اللقيط المحكوم بإسلامه خطأ أو شبه عمد فموجبها في بيت المال إذ ليس له عاقلة خاصة ، أو عمدا وهو بالغ عاقل اقتص منه وإلا فالدية مغلظة في ماله كضمان متلفه ، فإن لم يكن [ ص: 459 ] له مال ففي ذمته ، وإن قتل خطأ أو شبه عمد ففيه دية كاملة بظاهر الحرية توضع في بيت المال وأرش طرفه له ، وإن قتل عمدا فللإمام العفو على مال لا مجانا لأنه خلاف مصلحة المسلمين أو يقتص لا بعد البلوغ وقبل الإفصاح بالإسلام بل تجب ديته كما صححه المصنف في تصحيحه وصوبه في المهمات ، ويقتص لنفسه في الطرف إن أفصح بالإسلام بعد بلوغه فيحبس قاطعه قبل البلوغ له إلى بلوغه وإفاقته ، ويأخذ الولي ولو حاكما دون الوصي الأرش لمجنون فقير لا لغني ولا لصبي غني أو فقير ، فلو أفاق المجنون وأراد رد الأرش ليقتص منع ( ولا يصح ) بالنسبة لأحكام الدنيا ( إسلام صبي مميز استقلالا ) ( على الصحيح ) كغير المميز بجامع انتفاء التكليف ، ولأن نطقه بالشهادتين خبر وخبره غير مقبول أو إنشاء فهو كعقوده .

                                                                                                                            والثاني يصح إسلامه حتى يرث من قريبه ، وعلى الأول تستحب الحيلولة بينه وبين أبويه لئلا يفتناه وقيل تجب ونقله الإمام عن إجماع الأصحاب ، وانتصر لصحة إسلامه جمع مستدلين له بصحة إسلام علي رضي الله عنه قبل بلوغه ، ورده أحمد بمنع كونه قبل بلوغه والبيهقي وغيره بأن الأحكام إذ ذاك كانت منوطة بالتمييز إلى عام الخندق ، وفارق نحو صلاته بأنه لا ينتقل به ، أما بالنسبة لأحكام الآخرة فيصح ويكون من الفائزين اتفاقا ، ولا تلازم بين الأحكامين كما فيمن لم تبلغه الدعوة وكأطفال المشركين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في الحكم بإسلام اللقيط . ( قوله للدار أو غيرها ) أي وما يتبع ذلك كالحكم بكفره بعد كماله ( قوله : ولو في زمن قديم ) معتمد أي فلا يحكم بإسلام اللقيط إذا وجد فيها إلا حيث كان بها مسلم كما يعلم من قول المصنف الآتي وفيها مسلم .

                                                                                                                            ( قوله : كقرطبة ) مدينة بالأندلس .

                                                                                                                            ( قوله : حتى في الأولى ) ولا يبعد أن اشتراط ذلك فيها احتراز عما لو كان فيها كفار فقط ، أما لو لم يكن فيها أحد فينبغي الحكم بإسلامه لأنها دار إسلام ولا معارض ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : والأخيرتان دار إسلام ) أي كالأولى وإن أوهم عطف قوله أو بدار فتحوها صلحا خلافه ( قوله : يمكن كونه منه ولو مجتازا ) ظاهره أنه لا يشترط هنا مضي زمن يمكن في الحمل والولادة .

                                                                                                                            وهو ظاهر أخذا من قول حج بعد قول الشارح الآتي في دار الكفر [ ص: 455 ] وإلا فلا وهذا أوجه مما ذكره الأذرعي فتأمله .

                                                                                                                            ويفرق بين الدارين بأن شرف الأولى اقتضى الاكتفاء فيها بالإمكان وإن بعد فدخل المجتاز ، بخلاف الثانية فاشترط فيها قرب الإمكان ، وهو إنما يوجد عند السكنى لا الاجتياز ( قوله ما يقطع حكم السفر ) أي وهو أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج .

                                                                                                                            ( قوله : أنه لو كان مسلم ) أي رجل أو امرأة .

                                                                                                                            ( قوله : وحينئذ فالأوجه إلخ ) معتمد .

                                                                                                                            ( قوله : إمكانا قريبا ) بقي ما لو أمكن في البعض دون البعض فيحتمل أنه كما لو اشتبه مسلم بكافر ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ويحتمل وهو الأقرب أن يحكم بإسلام من وقع فيه الشك وإن كثر رعاية لحق الإسلام كما حكم بإسلام ونفي النسب فيهما لو كان في البلد مسلم يمكن كونه منه فنفاه وأنكر الوطء من أصله رجلا كان أو امرأة حتى لو وجدت المسلمة التي في البلد بكرا : أي أو كانت لا يمكن الوصول إليها عادة ككون المسلمة بنت ملكهم لحقها على ما هو مقتضى إطلاقهم .

                                                                                                                            ( قوله : والأقرب اعتبار إلحاق القائف ) أي فيما لو حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمي إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وفي النسوة إلخ ) معتمد وقوله أنه إن ثبت : أي بأن شهدن بولادة [ ص: 456 ] زوجة الذمي له ( قوله : عن حكم الإسلام ) أي الذي حكم له به بسبب الدار وتقوى بالصلاة والصوم ( قوله لكن في المهذب إلخ ) هذا هو المعتمد ( قوله : ما سبق من الخلاف ) أي والراجح منه الإقرار .

                                                                                                                            ( قوله : ويحكم بإسلام الصبي إلخ ) [ تنبيه ] مقتضى حكمهم بإسلام اللقيط تارة وكفره أخرى أن لقاض رفع إليه أمر لقيط الحكم بكفره فيما نصوا على كفره وهو ظاهر ، وأما ما قيل لا يجوز لقاض أن يحكم بكفر أحد فإن فعل كفر لأن الحكم بالكفر رضا به ا هـ فهو غلط قبيح ، إذ يلزم عليه أن لا يحكم برده أحد ولا بكفر لقيط وهو فاسد ، وأفسد منه ما علل به لأن الحكم بالكفر ليس معناه إلا الحكم بآثاره المترتبة عليه فلا رضا به ، ويلزمه أن لا يحكم بنحو زنا لأنه رضا به .

                                                                                                                            نعم له إذا أسلم مميز أن يحكم بعدم صحة إسلامه إذا احتيج إليه لا بكفره إلا بالنسبة للأحكام الدنيوية ، وكذا يقال في أطفال الكفار لأنهم في الجنة فلا يطلق الحكم بكفرهم ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم ما نصه : قوله وما قيل إلخ أفتى شيخنا الرملي بما يوافقه فإنه أفتى في صغير من أولاد الذميين أسلم أو مات أبوه ثم أسلم بأنه لا يجوز للقاضي الحكم بكفره لأن الرضا بالكفر كفر ولا يصح الحكم به فللمخالف الحكم بإسلامه ا هـ .

                                                                                                                            وقوله ليس معناه إلخ قد يقال بل كان به نفسه لم يقتض الرضا ، لأن الحكم إظهار حصول المحكوم به ، ومجرد ذلك ليس فيه الرضا به ، وقوله لا بكفره إلا بالنسبة إلخ قد يقال ما المانع من إطلاق الحكم فإنه إنما يقصد به آثاره الدنيوية ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : بعد موت أصله ) ع أنظر لو مات الصغير ثم الأب هل يتبعه بعد الموت كعكسه حتى يدفن في مقابر المسلمين فليراجع ا هـ سم على منهج ؟ أقول : الظاهر عدم التبعية لقطع الأحكام الدنيوية بالموت ، ونقل بالدرس عن بعض الهوامش خلافه وفيه وقفة ، ويقال على تسليم صحة ما ببعض الهوامش فيمكن توجيهه بأن مراعاة جهته وشرفه اقتضى ذلك كما لو ولد بعد موت أصله المسلم وإن بعد .

                                                                                                                            ( قوله : فهو مسلم ) أي تجرى عليه أحكام المسلمين .

                                                                                                                            ومنها أنه لو بلغ ولم يعلم بإسلام أحد أصوله ثم مات غسل وكفن وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين وكان من أهل الجنة ، وإن عوقب على ترك الصلوات ونحوها لأنه مخاطب بها بتقدير كفره فكيف وهو الآن مسلم فليتنبه له .

                                                                                                                            ( قوله : وإن ارتد ) أي الأحد .

                                                                                                                            ( قوله : ولو علق بين كافرين ) أي حصل أو وجد .

                                                                                                                            ويجوز قراءته للمفعول : أي علق به بين كافرين ( قوله : وإن علا ) [ ص: 457 ] فيه مسامحة بعد فرضه الكلام فيمن علق بين كافرين فالمراد وإن علا أحد أصول أحدهما ( قوله : ولو أمكن احتلامه فادعاه ) أي فادعى بعد إسلام أصوله أنه احتلم قبل إسلام ذلك الأحد حتى لا يتبعه في الإسلام .

                                                                                                                            ( قوله : غير ظاهر ) هذا السوق يقتضي اعتماد ما اقتضاه إطلاقهم ومثله في حج ، ثم ذكر أنه أفتى في حادثة بما يوافق بحث أبي زرعة فهو يدل على اعتماد الثاني وهو كلام أبي زرعة وعبارته ، وقد سئلت عن يهودي أسلم ثم وجد بنته مزوجة فادعى صباها لتتبعه وادعت البلوغ هي وزوجها فأفتيت بأنه يصدق ، أما في دعوى الاحتلام فلما تقرر أن الاحتياط للإسلام اقتضى مخالفة القاعدة من تصديق مدعي البلوغ بالاحتلام ، وأما في دعوى السن أو الحيض فبالأولى لإمكان الاطلاع عليهما فكلف مدعي أحدهما البينة وقد صرحوا بأنه لو باع أو كاتب أو قتل ثم ادعى صبا يمكن صدقه بخلاف ما لو زوج لأن النكاح يحتاط له ويجري بين الناس ، فكون الولي صبيا بعيد جدا فلم يلتفت إليه وإن أمكن والمجنون المحكوم بكفره يلحق أحد أبويه إذا أسلم كالصبي .

                                                                                                                            ( قوله : يلغي قوله المانع له ) أي للإسلام .

                                                                                                                            ( قوله : وكالصبي فيما ذكر ) أي من الحكم بإسلامه .

                                                                                                                            ( قوله : بخلافه على الأول ) يعني أنا إذا قلنا من وصف الكفر بعد بلوغه كافرا صلى إذا بلغ ولم ينطق بكفر ولا إسلام يطالب بكلمة الإسلام لأنه زال الحكم بإسلامه بعد استقلاله بالبلوغ ، وإن قلنا إذا نطق بالكفر صار مرتدا إذا بلغ بعد الحكم بإسلامه ولم ينطق بكفر لا يطالب بكلمة الإسلام لأنه لم يعرض بعد بلوغه ما ينافي إسلامه الذي حكم به .

                                                                                                                            ( قوله : إذ تركه ) أي التلفظ ( قوله : ما لم يسلم بنفسه إلخ ) قضيته أنه لو بلغ عاقلا ثم جن وحكم بإسلامه تبعا نفعه ذلك في إسقاط ما سبق على الجنون بعد البلوغ في الكفر .

                                                                                                                            ( قوله : أو مفرع على وجوب التلفظ ) هذا لا يظهر مع قوله وكأنهم لم ينظروا إلخ فتأمله سم على حج .

                                                                                                                            أقول : قد يجاب بأن المراد أن القائلين بالثاني لم ينظروا إلخ ، وقوله إن كان معه كافر : أي مشارك في سببه .

                                                                                                                            ( قوله : ومراده به ) أي بالطفل وإنما يحتاج إلى هذا التأويل بناء على أن الطفل خاص بالذكر الواحد وهو المشهور لغة ، وقال ابن الأنباري [ ص: 458 ] كما في المصباح ويكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع ، قال تعالى { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } وتجوز المطابقة في التثنية والجمع والتأنيث فيقال طفلة وأطفال وطفلات .

                                                                                                                            ( قوله : فلا يحكم بإسلامه ) من تتمة كلام القاضي ( قوله : لا أبويه في الأصح ) أي فلو كان سابيه يهوديا أو نصرانيا صار هو كذلك ، وإن كان أبواه يهوديين أو وثنيين مثلا ، ومن هنا يتصور عدم الاتفاق بين الأولاد والأبوين أو بعضهم في التهود والتنصر ، وهذا ينفعك في صور ذكروها في الفرائض يستشكل تصويرها ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : ثم أسلما ) أي أو أحدهما .

                                                                                                                            ( قوله : فإن قلنا يملكه كله فكذلك ) أي لم يحكم بإسلامه .

                                                                                                                            ( قوله : أوغنيمة وهو الأصح ) عبارة شيخنا الزيادي في أول باب الاستبراء بعد حكاية تحريم وطء السراري : عن الجويني والقفال والمعتمد جواز الوطء لاحتمال أن يكون السابي ممن لا يلزمه التخميس كذمي ونحوه لأنا لا نحرم بالشك رملي ا هـ .

                                                                                                                            وعبارة حج هنا : فإن قلنا يملكه كله فكذلك أو غنيمة وهو الأصح فهو مسلم لأن بعضه للمسلمين ( قوله : ولو سباه مسلم وذمي ) هذا داخل في عموم قوله أولا وإن كان معه كافر كامل إلخ ، إلا أن يقال : أراد بالكافر الأول الحربي .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فالدية مغلظة في ماله ) [ ص: 459 ] أي إن كان .

                                                                                                                            ( قوله : لا بعد البلوغ ) أي لا إن قتل المحكوم بإسلامه بعد البلوغ إلخ فلا يقتص له الإمام لعدم تحقق المكافأة .

                                                                                                                            ( قوله : بل تجب ديته ) أي وتوضع في بيت المال أيضا ( قوله : فيحبس قاطعه إلخ ) أي وإن طالت مدة انتظار البلوغ والإفاقة .

                                                                                                                            ( قوله : ولا لصبي غني أو فقير ) أي لأن له أمدا ينتظر .

                                                                                                                            ( قوله : وفارق نحو صلاته ) أي حيث صحت من المميز ، وقوله بأنه لا يتنفل به : أي بالإسلام .

                                                                                                                            ( قوله : ويكون من الفائزين اتفاقا ) أي فلا يجري فيه الخلاف الواقع في أطفال المشركين وإن كان هو منهم ، وينبغي أن يكون من الفائزين اتفاقا أيضا من اعتقد الإسلام أول بلوغه ومات قبل التمكن من النطق بالشهادتين ا هـ سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 454 ] ( فصل ) في الحكم بإسلام اللقيط [ ص: 455 ] قوله : واعلم أنه يؤخذ من اكتفائهم إلخ ) مراده به الاعتراض على الأذرعي ، وحاصله أن الذي يؤخذ من كلامهم خلاف ما أخذه الأذرعي فلا اعتراض عليهم .

                                                                                                                            واعلم أيضا أن والد الشارح أجاب في حواشي شرح الروض عن تنظير الأذرعي بأنه لما أمكن كون البعض منه على غير بعد واشتبه حكمنا بإسلام الكل إذ هو أسهل من إخراج المسلم إلى الكفر انتهى . وهو مخالف لما استوجهه ولده فيما يأتي من أنه لا بد من الإمكان القريب ، على أنه قد يتوقف فيما ذكره من الحكم بإسلام الجميع ; لمخالفته ما ذكروا في الجنائز من أنه لو اشتبه صبي مسلم بصبي كافر وبلغا كذلك أنهما لا يعاملان معاملة المسلمين وسيأتي آخر الباب . ( قوله : إذا لم يكن في المحبوسين امرأة ) ظاهره وإن كانت ذمية وهي غير حليلة لذلك المسلم ، ولعل وجهه أن احتمال وطء الشبهة مثلا قائم فلا ينافي ما سيأتي قريبا من أن ولد الذمية من زنا المسلم كافر فتأمل . ( قوله : إن ثبت بهن النسب ) أي بأن شهدن على الولادة . [ ص: 456 - 457 ] قوله : المحكوم بكفره ) وصف المجنون : أي فلحق أحد أبويه . ( قوله : بخلافه على الأول ) انظره مع كوننا حكمنا بردته ; لأن الصورة أنه وصف الكفر ، إلا أن يقال : إن هذا البناء مبنى القولين لا على نفس القولين [ ص: 458 ] قوله : أو غنيمة وهو الأصح ) سيأتي له في قسم الفيء والغنيمة خلاف هذا الصحيح وهو أنه يملكه كله ، وصححه [ ص: 459 ] الشهاب حج هنا ( قوله : بين الأحكامين ) فيه أن الجمع لا يثنى إذ شرطه أن يكون مفردا




                                                                                                                            الخدمات العلمية