الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهذه الحجة مبنية على تماثل الأجسام، وقد تقدم بيان فساده من وجوه كثيرة ومبنية على امتناع ما سماه انقساما، وقد تقدم أيضا بيان فساده.

وقوله: "عند حدوث الجواهر الكبيرة لم يكن بأن يحل في واحد منها أولى من أن يحل في غيره" فهذا مبني على تماثل الأجسام، وقد تقدم، وبتقدير تماثلها، فهو مبني على أن الرب لا يخص أحد المثلين بشيء، لمجرد مشيئته، وهذا خلاف أصله. وأيضا فإن تخصيص بعض الأجسام ببعض الصفات أمر موجود فإن كان هذا قبل عدم تماثلها، وإن كان [ ص: 30 ] التخصيص بعد التماثل فقد ثبت جواز تخصيص أحد المثلين بما يحل فيه، وعلى التقديرين يبطل ما ذكره من القسم الثاني، وكذلك ما ذكره في القسم الثالث من أنه ليس اقتضاء المقتضي الثالث للحلول في بعض بأولى من الحلول في بعض. يرد عليه هذه الوجوه الثلاثة.

وما ذكره من التخصيص باختيار المختار من أن المختار لابد وأن يفعل فعلا، والحلول ليس بأمر وجودي، فهو أبطل من غيره؛ فإن هذا لو صح لم يمتنع عليه في الحلول في غيره؛ فإنه لا يمتنع عليه أن يكون بينه / وبين المخلوقات تعلقات غير وجودية. وأيضا لو صح ذلك لكان التحيز والعلو على العرش [ ص: 31 ] ونحو ذلك أمورا عدمية وبطل نفي ذلك عنه؛ لأن وصفه بالسلوب متفق عليه بين العالمين. وأيضا فلو كان كذلك أمرا عدميا لكان نقيضه وجوديا. فكان عدم الحلول أمرا وجوديا، ولو كان أمرا وجوديا لم يصح أن يكون صفة للمعدوم، ومن المعلوم أن المعدوم يوصف بأنه ليس حالا في غيره، وليس غيره حالا فيه، وذلك يمنع أن يكون سبب الحلول وجوديا، ويقتضي أن الحلول وجودي.

وأما قوله: لو كان وجوديا لكانت الصفة حالة في الشيء، ولكان للحلول حلول وهو يقتضي التسلسل. فيقال: الأول: هو حلول الشيء القائم بنفسه بغيره، والثاني: حلول الصفة بالموصوف فهذا من باب حلول الأجسام في محالها، وهذا من باب حلول الأعراض في الأجسام، وأحد النوعين مخالف للآخر، وذلك لا يقتضي أن يكون لحلول الصفة بالموصوف حلول فيها؛ لأن العرض لا يقوم بالعرض.

التالي السابق


الخدمات العلمية