الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه العشرون: قوله: "كما أن الفلسفي يقول: الفلك [ ص: 435 ] جسم إلا أنه لا يقبل الخرق والالتئام، فإن ذلك لا يمنعه من اعتقاد كونه جسما طويلا عريضا عميقا".

يقال: لا ريب أن بين الشيئين اللذين يقال إنهما جسم قدرا مشتركا وقدرا مميزا، وكذلك ما يقال إنه جوهر ومتحيز وقائم بنفسه، أو غني عن المحل، أو مباين لغيره أو محل للصفات، أو حامل الصفات أو محل للأعراض، أو حامل للأعراض مثل ما يقال إنه موجود وثابت وكائن وحق، وغير ذلك من الأسماء العامة التي يسميها أهل النحو أسماء الأجناس، فلا ريب أن بين المسميات بها قدرا مشتركا وقدرا مميزا والمعني بالقدر المشترك أن يكون في أحد المسميات / ما يشبه ما في الآخر ليس المراد أن يكون في الخارج شيء معين هو بعينه مشترك بينهما، فإن هذا ممتنع؛ بل كل موجود في الخارج فإنه متميز بنفسه مختص بصفاته لا يشركه غيره في نفس وجوده وماهيته وصفاته القائمة به، إلا بمعنى المشابهة، والذهن يرتسم فيه معنى يتناول المشتبهين، وذلك هو المعنى العام، وله لفظ يطابقه وهو اللفظ العام.

وإذا كان كذلك فكون الفلك مشاركا لغيره في مسمى الجسم، وممتازا عنه بعدم قبول الانقسام والانحلال لا يقتضي لهذا أن يكون الباري مع مخلوقاته عند من يصرح بلفظ [ ص: 436 ] الجسم بهذه المنزلة فضلا عمن يقول: أعني به القائم بنفسه، الغني عن المحل، وإن كان عنده كل قائم بنفسه مباين لغيره حامل للصفات، لا يشار إليه بأنه هنا أو هناك، وهو الذي يعنيه غيره بلفظ الجسم؛ لكن مع هذا كله لا يقتضي أن كون المميز بين الباري وبين مخلوقاته مثل المميز بين الفلك والعناصر، وهو عدم الانخراق، بل هذا بمنزلة أن يقال: إذا كان قائما بنفسه فهو مساو لسائر القائمات بأنفسها من السموات والأرض والحيوان والشجر والنبات.

التالي السابق


الخدمات العلمية