الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 264 ] وقد احتج أبو إسماعيل الأنصاري الهروي شيخ الإسلام في كتاب الأربعين فقال: (باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج بعينيه رؤية يقظة) واحتج بحديث ابن عباس هذا مع أنه رواه بأسانيد أكثرها من كتاب ابن خزيمة، ولا حجة فيه على ذلك، كما تقدم.

والقاضي أبو يعلى ذكر ما تقدم نقله عنه أنه قال: «اختلفت الرواية عن أحمد في رؤية محمد ربه هل رآه بعينه أو بفؤاده، أو يقال: رآه ولا يقيد؟ على ثلاث روايات».

قلت: وقد ذكرنا ألفاظ أحمد التي ذكرها وسقناها بتمامها، وتبين بذلك أن كلام أحمد ليس بمختلف، بل كلام [ ص: 265 ] أحمد نظير كلام ابن عباس رضي الله عنهما، تارة يقيد الرؤية بالقلب، وتارة يطلقها.

ثم قال القاضي: «والرواية الأولى أصح، وأنه رآه في تلك الليلة بعينيه، وهذه مسألة وقعت في عصر الصحابة، فكان ابن عباس وأنس وغيرهما يثبتون رؤيته في ليلة المعراج، وكانت عائشة تنكر رؤيته بعينه في تلك الليلة».

قال: «والدلالة على إثبات رؤيته تعالى قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء [الشورى: 51] فوجه الدلالة أنه تعالى قسم تكليمه لخلقه على ثلاثة أوجه: أحدها بإنفاذ الرسل، وهو كلامه لسائر الأنبياء والمكلفين، والثاني من وراء حجاب، وهو تكليمه لموسى، وهذا الكلام بلا واسطة؛ لأنه لو كان بواسطة دخل تحت القسم الأول الذي ذكرنا، وهو إنفاذ الرسل. الثالث: من غير رسول ولا حجاب، وهو كلامه لنبينا في ليلة الإسراء؛ إذ لو كان من وراء حجاب، أو كان رسولا دخل تحت القسمين ولم يكن للتقسيم فائدة، فثبت أنه كان كلامه له عن رؤية».

[ ص: 266 ] قلت: هذه الحجة أخذها القاضي أبو يعلى من أبي الحسن الأشعري ونحوه، فإنهم احتجوا بها على أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وهذه حجة داحضة؛ فإن هذا خلاف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون في تفسير الآية الكريمة.

وأيضا فإن الله أخبر بأنه ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا على هذه الوجوه الثلاثة، فلو كان المراد بذلك أنه يكلم تارة مع المعاينة، وتارة مع الاحتجاب، وتارة بالمراسلة، لم يكن لهذا الحصر معنى، ولم يكن فرق بين الله تعالى وبين غيره في ذلك، ولم يكن نفى بهذا الحصر شيئا؛ فإن المكلم من البشر إما أن يعاينه المخاطب أو لا يعاينه، وإذا لم يعاينه فإما أن يخاطبه بنفسه أو رسوله، فلو كان المراد ما ذكر لزم هذه المحاذير.

التالي السابق


الخدمات العلمية