الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال القاضي: وروى أبو حفص بإسناده عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بفؤاده مرتين».

وروى أيضا بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «رأى محمد ربه بقلبه» قال القاضي: وهذا الاختلاف عنه ليس براجع إلى ليلة المعراج، إنما هو راجع إلى رؤيته في المنام في غير تلك الليلة، رآه بقلبه على ما نبينه فيما بعد.

قلت: هذه الألفاظ المتأخرة ثابتة في الصحيح عن ابن عباس، وهو ذكرها في تفسير قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى [النجم: 13] ولم يقل ابن عباس: إن الرؤية بفؤاده كانت في المنام بل تكون في اليقظة.

[ ص: 285 ] ثم قال القاضي: «وما رويناه عن ابن عباس أولى مما روي عن عائشة؛ لأن قول ابن عباس يطابق قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت رؤيته تلك الليلة؛ ولأنه مثبت، والمثبت أولى من النافي، ولا يجوز أن يثبت ابن عباس ذلك إلا عن توقيف؛ إذ لا مجال للقياس في ذلك».

قلت: أما ترجيحه قول ابن عباس بأنه مثبت، وبأن ذلك لا يقال إلا عن توقيف، فهو من الترجيح القديم الذي يحتج به مثبت رؤية محمد صلى الله عليه وسلم من الأئمة وسائر أهل الحديث، ولا ريب أن المثبت أولى من النافي فيما كان من باب الرواية، كما قدم الناس رواية بلال «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت» على قول أسامة: [ ص: 286 ] «إنه لم يصل».

وقد قالوا: هذا لا يقال بالقياس، وإنما يقال بالتوقيف، فيكون من باب الرواية، لكن قد يقال: ونفي ذلك أيضا لا يؤخذ بالقياس وإنما يقال بالتوقيف، فإن كون رؤية محمد ربه وقعت أو لم تقع هو من الأخبار التي لا تعلم بمجرد القياس، وعائشة رضي الله عنها لما نفت ذلك لم تستند مع استعظام ذلك أن تكون في الدنيا إلا إلى ما تأولت من الآيتين، وابن عباس ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى [النجم: 13].

فكلامه أيضا كان في تأويل القرآن. وأما الأحاديث التي رواها ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيت ربي» فقد ذكر القاضي ذلك لما ذكر تلك الأحاديث، وأما ما احتج به من أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت رؤيته تلك الليلة فإنه لم يعتمد في ذلك إلا على الحديث الذي ذكر هذا كله في الكلام عليه، وهو [ ص: 287 ] الحديث الذي سنذكره إن شاء الله مما رواه الخلال، عن أبي ثعلبة، عن أبي عبيدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما كانت ليلة أسري بي رأيت ربي في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قال: فوضع يده حتى وجدت -فذكر كلمة ذهبت عني- قال: ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى». وذكر الخبر.

قال القاضي: اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصول:

أحدها: في إثبات ليلة الإسراء وصحتها. والثاني: في إثبات رؤيته لله تعالى تلك الليلة. والثالث: في وضع الكف بين كتفيه. الرابع: في إطلاق تسمية الصورة عليه. والخامس: قوله: «لا أدري، لما سأله: فيم يختصم الملأ الأعلى»؟ ثم تكلم على ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية