الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 94 ] الوجه الرابع عشر: أن في حديث جابر الذي في الصحيح: «ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقولون: من تنتظرون فيقولون: ننتظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك. قال: فينطلق بهم ويتبعونه» وهذا صريح في أن الذي أتاهم والذي تجلى لهم هو ربهم، وأنهم عرفوه لما تجلى لهم يضحك، وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على تمام ذلك.

الوجه الخامس عشر: أن جميع ألفاظ الحديث صريحة في أن الذي جاء وأتى وقال: أنا ربكم هو الذي رأوه فسجدوا له، فاقتضى ذلك أن يكون المتجلي المسجود له هو الآتي الجائي. فلو كان الذي أتى إنما هو ملك أو بعض النعم المخلوقة لم يصح ذلك؛ ولهذا كان الإمام أحمد يحتج بإثبات المجيء والإتيان في مسألة الرؤية.

فذكر الخلال في كتابه «السنة» عن أبي طالب قال: «وقول الله عز وجل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة [البقرة: 210] وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر: 22] فمن قال: إن الله لا يرى فقد كفر» فبين أن هذه [ ص: 95 ] الآيات تدل على أنه يأتي ويجيء وذلك يقتضي الرؤية، كما صرحت به الأحاديث المفسرة لكتاب الله عز وجل.

الوجه السادس عشر أنه في حديث ابن مسعود فرق بين إتيان الرب نفسه وإتيان سائر المعبودات وذلك يفسر ما ورد في بقية الأحاديث حيث قال: «ثم ينادي مناد يا أيها الناس ألن ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولي كل إنسان منكم ما كان يتولاه ويعبده في الدنيا؛ أليس ذلك عدلا من ربكم؟ قالوا: بلى، قال: فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا، قال: فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر، وإلى الأوثان من الحجارة، وأشباه ما كانوا يعبدون، قال: ويتمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويتمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، قال: فيتمثل لهم الرب فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا إلها ما رأيناه بعد، فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناه، قال: فيقول: ما هي؟ فيقولون: يكشف عن ساقه، قال: فعند ذلك يكشف عن ساقه، قال: فيخر من كان [ ص: 96 ] بظهره طبق، ويبقى قوم ظهورهم كأنهم صياصي البقر.

فلما ذكر أولئك المعبودات ذكر أنه يمثل أشباهها، وأن المعبود من الأنبياء تأتي شياطينهم مع أنهم قد اتبعوها، وذكر أن الرب لما امتحن العباد هو الذي يمثل لهم، وهو الذي أظهر لهم العلامة التي عرفوه بها حتى سجدوا، فلو كان الآتي هو ملك من ملائكة الله أو شيء من مخلوقاته لكان بيان هذا أولى من بيان أولئك. إنما جاءت أشباههم؛ إذ في هذا من المحذور ما ليس في ذلك، بل هذا التفريق بين هذا وهذا دليل واضح أن الذي أتاهم هو رب العالمين الذي تمثل لهم في الصورة، والذي اتبعه أولئك هو أشباه المعبودات، وشياطين الأنبياء؛ وذلك لأن الأنبياء لم يأمر بعبادتهم إلا الشياطين.

التالي السابق


الخدمات العلمية