الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
22744 [ ص: 408 ] 9918 - (23255) - (5 \ 383) عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: " أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة".

ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام نومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك تراه منتبرا وليس فيه شيء"، قال: ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله، قال: "فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده وأظرفه وأعقله وما في قلبه حبة من خردل من إيمان".

ولقد أتى علي زمان، وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا، وفلانا".


التالي السابق


* قوله: "قد رأيت أحدهما. . . إلخ": الظاهر أنه أراد بالحديثين: حديثا في نزول الأمانة، وحديثا في رفعها.

(فإن قلت): آخر الحديث يدل على أن رفع الأمانة ظهر في وقته، فما معنى: أنتظره؟

قلت: المنتظر الرفع؛ بحيث يصير كالمجل، ويحتمل أن المراد حديثان في الرفع، وحذيفة رأى منهما المرتبة الأولى للرفع دون الثانية، ولذلك قال: وأنتظر الآخر.

* "إن الأمانة": قيل: المراد بها التكاليف، والعهد المأخوذ المذكور في قوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة [الأحزاب: 72] الآية، وهي عين الإيمان؛ بدليل آخر الحديث: "وما في قلبه حبة خردل من إيمان"، والأقرب حملها على ظاهرها؛ [ ص: 409 ] بدليل: "ويصبح الناس يتبايعون، ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة"، وأما وضع الإيمان موضعها، فهو لتفخيم شأنها؛ لحديث: "لا دين لمن لا أمانة له".

* "في جذر": - بفتح جيم، أو كسرها، وسكون ذال معجمة -: الأصل، ولعل المراد: الجبلة والخلقة، وقيل: الوسط، والمراد بالرجال: الناس مطلقا، ونزول الأمانة في جبلة قلوبهم أنها جبلت مستعدة لها، أو متصفة بها، ثم لما استحكمت تلك الصفة بالقرآن والسنة، صارت كأنهم علموها منهما.

* "فيظل": أي: يصير.

* "الوكت": - بفتح فسكون، آخره مثناة من فوق -: الأثر في الشيء؛ كالنقطة في غير لونه، والمعنى: ثم ترفع الأمانة عن القلوب عقوبة على الذنوب، حتى إذا استيقظوا، لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه، ويبقى أثر من الأمانة مثل الوكت فيها.

* "المجل": - بفتح فسكون، أو بفتحتين -: هو الأثر في الكف من قوة الخدمة، وهو غلظ الجلد وارتفاعه، يحسبه الناس أن في جوفه شيئا، وليس فيه شيء، وهذا أشد من الأول، إذ النقطة لها حقيقة؛ بخلاف أثر المجل؛ فإنه وإن عظم، فلا حقيقة له.

* "كجمر": أي: هو كأثر جمر.

* "دحرجته": قلبته.

* "منتبرا": مرتفعا.

* "يتبايعون": أريد به: البيع والشراء. [ ص: 410 ]

* "ولقد أتى علي": من كلام حذيفة.

* "ساعيه": أي: وليه الذي يقوم بأمور الناس، ويستخرج حقوق الناس بعضهم من بعض.

* * *




الخدمات العلمية