الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن شهد أحدهما أنه قال : " أنت وكيلي في قبض هذا الدين " ، وشهد الآخر أنه قال : " أنت حسيبي في قبضه " كان جائزا لأن كل واحد من اللفظين عبارة عن الوكالة ، فإن الحسيب نافذ الأمر ، وذلك يكون بالوكالة وإنما اختلفا في العبارة ، وذلك لا يمنع قبول الشهادة ، وكذلك لو شهدا هكذا في الخصومة أو قبض العين .

وإن قال أحدهما : إنه قال أنت وكيلي " ، وقال الآخر : " إنه قال أنت وصيي " لا تقبل هذه الشهادة ; لأن الوصية تكون بعد الموت ، وحكمها مخالف لحكم الوكالة فلم تبق شهادة الشاهدين على شيء واحد ، إلا أن يشهد أنه قال : " أنت وصيي في حياتي " فالوصية في الحياة [ ص: 24 ] تكون وكالة ; لأنه أنابه في التصرف حال قيام ولايته ، وذلك إنما يكون بالوكالة ، وإنما الاختلاف بين الشاهدين هنا في العبارة ، وذلك لا يمنع قبول الشهادة ، وإن شهد أحدهما أنه وكله بالخصومة في هذه الدار إلى قاضي الكوفة ، وشهد الآخر أنه وكله بالخصومة في هذه الدار إلى قاضي البصرة ، فهو جائز وهو وكيل بالخصومة ; لأن المطلوب قضاء القاضي لا عين القاضي ، وأقضية القضاة لا تختلف بل تكون بصفة واحدة في أي مكان كان قاضيا ، فقد اتفق الشاهدان على ما هو المقصود وهو الوكالة ، ألا ترى أنه لو وكله بالخصومة عند القاضي فعزل أو مات فاستقضى غيره ، كان له أن يخاصم عنده ، وكذلك لو تحول الخصم إلى بلدة أخرى كان للوكيل أن يخاصم عند قاضيها ، وهذا بخلاف ما لو شهد أحدهما أنه جعله وكيلا بالخصومة إلى فلان الفقيه ، وقال الآخر إلى فلان الآخر فهذا باطل ; لأن الفقيه إنما يصير حاكما بتراضيهما ، وكل واحد منهما يشهد برضا الموكل بحكومة إنسان على حدة فلم يثبت واحد من الأمرين ، وهذا لأن حكم الحكم بمنزلة الصلح ; لأنه يعتمد تراضي الخصمين وذلك ليس بمعلوم في نفسه ، بل يتفاوت بتفاوت عدل الحكم وميله إلى أحدهما ورضاه بالتحكيم إلى إنسان لا يكون رضا بالحكم إلى غيره ، وكذلك إن سمى أحدهما القاضي والآخر الفقيه ; لأن الشاهد على التوكيل بالخصومة إلى فلان الفقيه لا يملك التحكيم فعرفنا اختلاف المشهود به .

التالي السابق


الخدمات العلمية