الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ولو وكله بأن يشتري له دار فلان بألف درهم ، فاشترى صحراء ليس فيها بناء - فهو جائز ; لأن الدار اسم لما يدار عليه الحائط ، مبنيا كان أو غير مبني ; والعرب يطلقون اسم الدار على الصحراء التي لم يبق فيها إلا أثر ، قال القائل :

يا دار مية بالعلياء فالسند

وقال الآخر :

عفت الديار محلها فمقامها

وهذا بخلاف ما لو أمره بأن يشتري له بيتا ، فاشترى أرضا لم يكن فيه بناء - لم يجز على الآمر ; لأن البيت اسم لما يبات فيه ، وذلك في المبني خاصة ، ثم الإنسان قد يشتري الدار غير مبنية ; ليبنيها على مراده ، فلم يكن فيما اشتراه الوكيل معنى المخالفة لمقصود الآمر ، بخلاف البيت فإنه يشتريه لينتفع به ، ولا يحتاج إلى تخلق بنائه ، وهذا المعنى لا يحصل في غير المبني ، فإذا صح [ ص: 65 ] شراء الدار للآمر ، وهلك المال عند الوكيل فقال الآمر : هلك قبل أن تشتري ، وقال الوكيل : هلك بعد ما اشتريتها - فالقول قول الآمر لإنكاره بقاء الوكالة عند الشراء بمنزلة ما لو أنكر التوكيل أصلا ; ولأن الوكيل يدعي لنفسه الثمن في ذمة الموكل وهو منكر لذلك ، فالقول قوله مع يمينه ، ويحلف على العلم ; لأنه استحلاف على فعل الغير ، وهو الشراء به قبل الهلاك أو بعده ، ولو لم يهلك ونقده البائع فاستحقه رجل فضمن الوكيل رجع به على الآمر ; لأنه كان عاملا له فيما قبض من الثمن ونقد

وإن ضمن البائع رجع به على الوكيل ; لأن المقبوض من الثمن لم يسلم له - رجع الوكيل على الآمر بكونه عاملا له ، ولو لم يستحق ، ولكن جحد البائع أن يكون القبض قبض الثمن ، فالقول قوله مع يمينه ، فإذا حلف رجع به على الوكيل ، ولم يرجع به الوكيل على الآمر ، لأنه مقر أنه استوفى الثمن من الآمر ، ونقده البائع ، ثم ظلمه البائع بتغريمه الثمن مرة أخرى ، فليس له أن يظلم الآمر إن ظلمه غيره ، ولو لم ينقده البائع ، حتى هلك عند الوكيل فأخذه من الآمر ثانية فهلك عنده ; لم يرجع به على الآمر ويضمن الثمن من عنده للبائع ; لأن بالشراء وجب الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل على الآمر ، فإذا قبضه الوكيل بعد الشراء صار به مستوفيا دين نفسه ، فدخل المقبوض في ضمانه وكان هلاكه عليه بخلاف ما لو قبضه قبل الشراء ، فإنه ما استوجب على الآمر شيئا بعد ، وكان في ذلك القبض عاملا للآمر لا لنفسه ، والفرق بين هذا وبين المضاربة قد بيناه فيما أمليناه من شرحه

التالي السابق


الخدمات العلمية