الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو من ابن له صغير لم يجز ، وإن صرح الموكل بذلك ; لأن الواحد في باب البيع إذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الأحكام ، فإنه يكون مستردا مستقضيا قابضا مسلما مخاصما في العيب ومخاصما ، وفيه من التضاد ما لا يخفى ، ولو باعه له من ابن له كبير أو امرأته أو واحد ممن لا تجوز شهادته له لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة - رحمه الله - بمطلق الوكالة أيضا ، ويجوز في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إلا من عبده ومكاتبه ، هكذا أطلق الجواب في كتاب البيوع والوكالة ، وفي المضاربة يقول : بيعه من هؤلاء بمثل القيمة يجوز ، وإنما الخلاف في البيوع بالغبن البين ، فمن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول : من يقيس هناك يقيس في الوكالة أيضا ، ومنهم من فرق بين الوكيلين والمضارب ، ثم وجه قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله [ ص: 33 ] أنه ليس للوكيل فيما يشتري هؤلاء ملك ولا حق ملك ، فبيعه منهم كبيعه من أجنبي آخر ، بخلاف العبد والمكاتب ، فإن كسب عبده له ، وفي كسب مكاتبه له حق الملك ، فتلحقه التهمة بالبيع منهما ، فلا يملك ذلك كما لا يملك البيع من نفسه ، وأبو حنيفة - رحمه الله - يقول : الوكيل بالبيع يوجب الحق للمشتري في ملك الغير ، والإنسان متهم في حق ابنه وامرأته فيما يوجبه لهما في ملك الغير ، ألا ترى أنه لو شهد له لا تقبل شهادته ، وجعل بمنزلة الشاهد لنفسه ، أو لعبده ، أو مكاتبه فكذلك إذا باعه منه ، ثم إن كان الخلاف في البيع بالغبن اليسير ، فكلام أبي حنيفة - رحمه الله - واضح فيه ; لأنه في حق الأجنبي إنما جعل الغبن اليسير عفوا ، لأنه ليس بينه وبين الوكيل سبب يجر إليه تهمة الميل ، فالظاهر أنه خفي عليه ذلك فأما ما بينه وبين ابنه أو أبيه فسبب يجر تهمة الميل لنفوذ الوكالة ، وإن أجريت على إطلاقها فتخصيصها بالتهمة ، ألا ترى أنه لا يملك البيع من هؤلاء بالغبن الفاحش بالاتفاق ، وإذا دخله الخصوص حمل على أخص الخصوص ، وهو جعل الخلاف على البيع بمثل القيمة

والفرق بين المضارب والوكيل أن المضارب كالمتصرف لنفسه من وجه ، ألا ترى أنه لا يجوز نهيه عن التصرف بعد ما صار المال عروضا ، وأنه شريكه في الربح فلا تلحقه التهمة في البيع بمثل القيمة من هؤلاء ; لأنه إنفاذ في العين دون المالية ، وفي الغبن هو كالمتصرف لنفسه ، بخلاف البيع بالغبن ، فإنه إيثار له في شيء من المالية ، وهو في ذلك نائب محض فأما الوكيل ففي العين والمالية جميعا نائب ; فلهذا لا يجوز بيعه من هؤلاء بمثل القيمة إلا أن يكون الموكل قد أجاز له في الوكالة ، بأن قال له : بع ممن شئت العموم ، فحينئذ يجوز بيعه من هؤلاء ، وهذه الزيادة لم يذكرها هنا ; لأنه لما فوض الأمر إليه على العموم كان ذلك بمنزلة التنصيص على البيع من هؤلاء ، فإن اللفظ العام يكون نصا في كل ما يتناوله ; فلهذا أجاز بيعه من هؤلاء بعد هذه الزيادة إلا من عبده الذي لا دين عليه ; لأنه لا نص على بيعه منه فلم يجز فإن كسبه ملك مولاه فبيعه من نفسه ، فأما عند إطلاق الوكالة فلا يملك البيع من هؤلاء ; لأن الأمر مطلق والمطلق غير العام ، فلم يكن إطلاقه بمنزلة التنصيص على كل بيع يباشره ; فلهذا لا يملك البيع من هؤلاء لتمكن سبب التهمة بينه وبينهم كما لا يبيعه من مكاتبه

التالي السابق


الخدمات العلمية