الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أمره أن يبيعه ، ويشترط الخيار للآمر ثلاثة أيام ، فباعه بغير خيار ، أو بخيار دون الثلاثة ، فدفعه - فبيعه باطل ، وهو له ضامن ; لأنه أتى بعقد هو أضر على الآمر : فإنه أمره بالبيع على وجه يكون الرأي في هذه الثلاثة إلى الموكل ، بين أن يفسخ العقد ، أو يمضيه ، وقد أتى بعقد لا يثبت فيه هذا القدر من الرأي للآمر ، فكان مخالفا كالغاصب ، ولو قال : بعه ، واشترط الخيار لي شهرا ، فباعه ، وشرط الخيار له ثلاثة أيام - جاز في قول أبي حنيفة - رحمه الله - استحسانا ، ولم يجز في قولهما ; لأن من أصلهما : أن الخيار يثبت في مدة الشهر ، ويصح البيع معه ، فإنما أمره بعقد يكون فيه الرأي إلى الآمر في هذه المدة ، وهو لم يأت بذلك فكان ضامنا ، وإن من أصل أبي حنيفة - رحمه الله - أن اشتراط الخيار في البيع ، لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام ، فإنما هذا [ ص: 56 ] وكيل بالبيع الفاسد عنده ، والوكيل بالبيع الفاسد إذا باع بيعا جائزا ; نفذ على الآمر استحسانا فهذا مثله .

ولو قال : بعه بيعا فاسدا ، فباعه بيعا جائزا ، كان هذا استحسانا في قول : أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وفي القياس - وهو قول محمد ، وزفر رحمهما الله - لا يجوز ; لأن أمره بالعقد لا يزيل ملكه بنفس العقد ، فكان كالمأمور بالهبة إذا باع ; أو لأنه أمره ببيع لا ينقطع به حق الموكل في الاسترداد ; أو أمره ببيع ، يكون المبيع مضمونا بالقيمة على المشتري إذا قبضه ، فكان كالمأمور بشرط الخيار للآمر إذا باعه بغير خيار .

ووجه الاستحسان : أنه من جنس التصرف الذي أمره به ، وهو خير للآمر مما أمره به ، فلا يكون مخالفا كالوكيل بالبيع بألف ، إذا باع بألفين ، وبيانه : أنه أمره بأن يطعمه الحرام بالتجارة ، وهو أطعمه الحلال ، والتجارة مشروعة لاكتساب الحلال بها دون الحرام ، بخلاف المضمون المأمور بالهبة ، إذا باع ; لأن ما أتى به ليس من جنس ما أمره به ، وبخلاف بيع المأمور بشرط الخيار ، إذا لم يذكر الخيار ; لأن ما أتى به ليس بأنفع للآمر به ، بل هو أضر عليه يوضحه أنه : لو أمره بالبيع الجائز فباع بيعا فاسدا ; لم يكن مخالفا فعرفنا أن الامتثال بأصل العقد ، لا بصفة الجواز والفساد .

التالي السابق


الخدمات العلمية