الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5070 - حدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا الفريابي ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن ذكوان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة يرفعه ، مثله .

                                                        قال أبو جعفر : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابت العجماء جبارا ، والجبار : هو الهدر ، فنسخ ذلك ما تقدم مما في حديث أبي محيصة ، وإن كان منقطعا لا يكون - بمثله عند المحتج به - علينا حجة .

                                                        وإن كان الأوزاعي قد وصله ، فإن مالكا والأثبات من أصحاب الزهري قد قطعوه .

                                                        ومع ذلك فإن الحكم المذكور فيه مأخوذ من حكم سليمان النبي عليه السلام في الحرث إن نفشت فيه الغنم .

                                                        فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الحكم ، حتى أحدث الله له هذه الشريعة فنسخت ما قبلها .

                                                        فما دل على هذا الذي رويناه ، عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما ، أنه كان بعد ما في حديث حرام بن محيصة ، من قوله : فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل المواشي حفظ مواشيهم بالليل ، وعلى أهل الزرع حفظ زرعهم بالنهار .

                                                        فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الماشية إذا كان على ربها حفظها مضمونا ما أصابت ، وإذا لم يكن عليها حفظها غير مضمون عليه ما أصابت ، فأوجب في ذلك ضمان ما أصاب المنفلتة بالليل ، إذ كان على صاحبها حفظها .

                                                        ثم قال في حديث : ( العجماء جرحها جبار ) ، فكان ما أصابت في انفلاتها جبارا ، فصارت لو هدمت حائطا أو قتلت رجلا لم يضمن صاحبها شيئا ، وإن كان عليه حفظها ، حتى لا تنفلت ، إذا كانت مما يخاف عليه مثل هذا .

                                                        [ ص: 205 ] فلما لم يراع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وجوب حفظها عليه ، وراعى انفلاتها فلم يضمنه فيها شيئا مما أصابت ، رجع الأمر في ذلك إلى استواء الليل والنهار .

                                                        فثبت بذلك أن ما أصابت ليلا أو نهارا ، إذا كانت منفلتة فلا ضمان على ربها فيه ، وإن كان هو سيبها فأصابت شيئا في فورها ، أو في سيبها ضمن ذلك كله .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين ، وهو أولى ما حملت عليه هذه الآثار لما ذكرنا وبينا .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية