الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        3 - باب الأقراء

                                                        قال أبو جعفر : اختلف الناس في الأقراء التي تجب على المرأة إذا طلقت .

                                                        فقال قوم : هي الحيض ، وقال آخرون : هي الأطهار .

                                                        فكان من حجة من ذهب إلى أنها الأطهار ، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض : " مره أن يراجعها ، ثم يتركها حتى تطهر ، ثم ليطلقها إن شاء ، فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء " ، وقد ذكرنا ذلك بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب .

                                                        [ ص: 60 ] قالوا : فلما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها في الطهر ، وجعله العدة دونها ، ونهاه أن يطلقها في الحيض ، وأخرجه من أن يكون عدة ، ثبت بذلك أن الأقراء هي الأطهار .

                                                        فكان من الحجة عليهم للآخرين ، أن هذا الحديث قد روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، كما ذكروا .

                                                        وقد روي عنه ما هو أتم من ذلك .

                                                        فروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يأمره أن يراجعها ثم يمهلها ، حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم ليطلقها إن شاء ، وقال : تلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء .

                                                        وقد ذكرنا ذلك أيضا بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب .

                                                        فلما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيقاع الطلاق في الطهر الذي بعد الحيضة ، التي طلق فيها ، حتى يكون طهر وحيضة أخرى بعدها ، ثبت بذلك أنه لو كان أراد بقوله : ( فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء الأطهار ) إذا لجعل له أن يطلقها بعد طهرها من هذه الحيضة ، ولا ينتظر ما بعدها ؛ لأن ذلك طهر .

                                                        فلما لم يبح له الطلاق في ذلك الطهر حتى يكون طهرا آخر بينه وبين ذلك الطهر حيضة ، ثبت بذلك أن تلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء ، إنما هي وقت ما تطلق النساء ، وليس لأنها عدة تطلق لها النساء ، يجب بذلك أن تكون هي العدة التي تعتد بها النساء ؛ لأن العدة مختلفة .

                                                        منها : عدة المتوفى عنها زوجها ، أربعة أشهر وعشر .

                                                        ومنها : عدة المطلقة ثلاثة قروء .

                                                        ومنها : عدة الحامل أن تضع حملها ، فكانت العدة اسما واحدا لمعان مختلفة .

                                                        ولم يكن كل ما لزمه اسم ( عدة ) وجب أن يكون قرءا .

                                                        فكذلك لما لزم اسم الوقت الذي تطلق فيه النساء اسم عدة ، لم يثبت له بذلك اسم القرء .

                                                        فهذه معارضة صحيحة ، ولو أردنا أن نكثر هاهنا ، فنحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة : " دعي الصلاة أيام أقرائك " ، فنقول : الأقراء هي : الحيض على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكان ذلك ما قد تعلق به بعض من تقدم ، ولكنا لا نفعل ذلك ؛ لأن العرب قد تسمي الحيض قرءا ، وتسمي الطهر قرءا ، وتجمع الحيض والطهر ، فتسميهما قرءا .

                                                        4491 - حدثني بذلك محمود بن حسان النحوي ، قال : ثنا عبد الملك بن هشام ، عن أبي زيد ، عن أبي عمرو بن العلاء .

                                                        وفي ذلك أيضا حجة أخرى ، أن عمر رضي الله عنه ، هو الذي خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء " ، ولم يكن ذلك - عنده - دليلا أن الأقراء الأطهار ، إذ قد جعل الأقراء الحيض ، فيما روي عنه .

                                                        [ ص: 61 ] فإذا كان هذا عند عمر رضي الله تعالى عنه ، وقد خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، لا دليل فيه على أن القرء الطهر ، كان من بعده فيه أيضا كذلك ، وسنذكر ما روي عن عمر رضي الله عنه في هذا ، في موضعه من هذا الباب ، إن شاء الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية