الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5293 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا يوسف ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري والحسن ، قالا : ما أحرز المشركون فهو فيء للمسلمين ، لا يرد منه شيء .

                                                        فكل هؤلاء - الذين روينا عنهم هذه الآثار - قد ثبت ملك المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين ، وإنما اختلافهم فيما بعد ذلك .

                                                        فقال الحسن والزهري : إن ما أحرز المشركون من أموال المسلمين ، ثم قدر المسلمون عليه بعد ذلك ، فلا سبيل لصاحبه عليه .

                                                        وقد خالفهما في ذلك شريح ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وعامر ، ومن تقدمهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر ، وعلي ، وأبو عبيدة ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، رضوان الله عليهم أجمعين .

                                                        وشذ ما قالوه من ذلك ، ما قد رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تميم بن طرفة ، فذلك أولى مما ذهبنا إليه ، وإن كان النظر مخالفا لما ذهب إليه الفريقان جميعا .

                                                        وذلك أنا رأينا المسلمين يسبون أهل الحرب وأموالهم ، فيملكون أموالهم ، كما يملكون رقابهم ، وكان المشركون إذا أسروا المسلمين لم يملكوا رقابهم .

                                                        فالنظر على ذلك أن لا يملكوا أموالهم ، ويكون حكم أموال المسلمين كحكم رقابهم ، كما كان حكم أموال المشركين كحكم رقابهم .

                                                        [ ص: 265 ] ولكنا منعنا من ذلك بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما حكم به المسلمون من بعده .

                                                        فلما ثبت ما حكموا به من ذلك ، فنظرنا إلى ما اختلف فيه ، من حكم ما قدر عليه المسلمون في ذلك ، فأخذوه من أيدي المشركين ، فجاء صاحبه بعد ما قسم ، هل له أن يأخذه بالقيمة ؛ كما قال بعض من روينا عنه في هذا الباب . أو لا يأخذه بقيمة ولا غيرها ؛ كما قد قال بعض من روينا عنه في هذا الباب أيضا ؟

                                                        فنظرنا في ذلك ، فرأينا النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في مشتري البعير من أهل الحرب أن لصاحبه أن يأخذه منه بالثمن ، وكان ذلك البعير قد ملكه المشتري من الحربيين ، كما يملك الذي يقع في سهمه من الغنيمة ما يقع في سهمه منها .

                                                        فالنظر على ذلك أن يكون الإمام إذا قسم الغنيمة ، فوقع شيء منها في يد رجل ، وقد كان أسر ذلك من يد آخر ، أن يكون المأسور من يده كذلك ، وأن يكون له أخذ ما كان أسر من يده من يدي الذي وقع في سهمه بقيمته ، كما يأخذه من يد مشتريه الذي ذكرنا بثمنه .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية